قراءة في تقرير الشباب السعودي في أرقام ومسح تنمية الشباب...
4.2
(6)

 

عرض وتحليل: د. محمود المنير
تحرير: قسم المحتوى بشباب مجتمعي

 

 

أهم الأرقام والدلالات

 

 

أصبح العمل مع الشباب، على أساس تخصصي، واحداً من الاتجاهات الرئيسة التي بدأت تشق طريقها في غالبية البلدان والمجتمعات الحديثة، والتي تستهدف صقل الشخصية الشبابية، وإكسابها المهارات، والخبرات العلمية والعملية، وتأهيلها التأهيل المتخصص المطلوب لضمان تعاملها السليم مع المستجدات والمتغيرات المتلاحقة، وتدريب القادة الشباب في مختلف ميادين التنمية المجتمعية، وإذا كانت المؤشرات العالمية تقيس قوة المجتمعات بوجود ودور فئة الشباب فيها كماً ونوعاً؛ فإن المجتمع السعودي يمكن أن نطلق عليه مجتمع الشباب بامتياز، حيث تمثل الفئة الشبابية ذكوراً وإناثاً النسبة المرتفعة فيه؛ هذا من ناحية الكم، أما النوع فقد أشار إلى ذلك عالم الاجتماع الروسي “أندريه كاراطائف” (Andrey Vitaliyevich Korotayev) حيث قال: الوجود النوعي يتمثل بما يتصف به الشباب من مميزات وقدرات ومهارات لا تتوفر عند غيرهم إضافة إلى ما يتمتعون به من مرونة وطاقات فياضة.. وهذا حقيقة ما يتميز به غالبية الشباب السعودي.

ولقد صنفت الأمم المتحدة فئة الشباب “بالفاعل الأول” في الحراك المجتمعي الهادف للتغيير والتحول نحو الأفضل، حيث تم ربط الشباب بقضايا التنمية المستدامة، ومن هذا المنطلق فإن تنمية الشباب وتطوير قدراتهم ومهاراتهم المختلفة سبيلٌ لتحقيق الأهداف التنموية والمشاركة في تنمية المجتمع تنمية شاملة ولعل هذا ما تراهن عليه رؤية 2030 في المملكة العربية السعودية.

ويهدف مسح تنمية الشباب السعودي والذي تم تنفيذه خلال الربع الثاني من عام 2019 – وهو تقرير حديث ويلامس بدرجة كبير واقع الشباب السعودي – إلى تقديم العديد من المؤشرات المهمة حول واقع الشباب السعودي في مختلف النواحي الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية ومنها:

  • إبراز القضايا والتحديات التي تواجه الشباب.
  • إتاحة الفرصة للتعرف على احتياجات الشباب السعودي في المرحلة الراهنة وفي المستقبل.
  • استخراج العديد من المؤشرات والمقاييس والبيانات التفصيلية حول المجالات ذات الأولوية بقضايا الشباب مثل التعليم، والحالة المالية والاقتصادية.
  • قياس المشاركة المجتمعية وقياس مستوى معرفة الشباب بأساسيات الحياة مثل السلامة المنزلية والمرورية وكذلك الإسعافات الأولية.
  • توفير إحصاءات حول ثقافة الشباب في الادخار والتخطيط المالي.
  • معرفة تصور الشباب حول عدد من القيم المختلفة والهوية الوطنية.
  • معرفة ورصد توجهات الشباب حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
  • استطلاع أراء الشباب وتطلعاتهم في عدد من الجوانب خصوصاً في سوق العمل، والتي تدعم مؤسسات صنع القرار في التخطيط لسياسات المستقبل.

 

الشباب السعودي في أرقام

من الجدير بالذكر أن تقرير المسح الذي نحن بصدده، قد سبقه تقرير آخر أصدرته الهيئة العامة للإحصاء بعنوان: “الشباب السعودي في أرقام 2019م” بمناسبة اليوم العالمي للشباب 2019م، وتضمن التقرير إحصاءات (سكانية، اجتماعية، تعليمية، صحية، ثقافية، ترفيهية) تخص الشباب السعودي في الفئة العمرية (15 -34)، وهي نفس الفئة العمرية التي تناولها التقرير الأحدث الذي نحن بصدده، وأشارت الهيئة إلى مصدر البيانات المتعلقة بالتقرير حيث ضم عدداً من المسوح السابقة مثل:

  • مسح الخصائص السكانية في 2017.
  • مسح العمل التطوعي 2018.
  • مسح دخل وإنفاق الأسرة السعودية 2018.
  • مسح التعليم والتدريب 2017.
  • مسح صحة الأسرة 2018.

 

واقتصر التقرير على عرض الكثير من الإحصاءات المتعلقة بالشباب السعودي في شكل الإنفوجراف، وكأنه بانوراما تعرض ومضات ومقتطفات متنوعة مستخلصة من المسوح السابقة التي أشرنا إليها، ولذا لا يعد مسحاً مستقلاً بذاته، مثل المسح الذي بين أيدينا، ولعل أهم ما يميز هذا التقرير الذى صدر بمناسبة اليوم العالمي للشباب في عام 2019، أنه كان بمثابة إشارة إلى أهمية دور الشباب السعودي في المرحلة القادمة في إطار رؤية 2030، لاسيما أن نسبة الشباب السعودي، للفئة العمرية (15-34سنة )، وفقاً لهذا التقرير، تمثل 36.7% من إجمالي السكان السعوديين، أي أن ما يزيد عن ثلث المجتمع السعودي هم من فئة الشباب وهي نسبة كبيرة إذا ما قورنت بغيرها من المجتمعات، علاوة على أن نسبة النضج والعطاء في هذه المرحلة، وهي الفئة العمرية من (25-34)، تمثل من نسبة الشباب الكلية 17.9% في الذكور، و18.2% في نسبة الشابات الإناث، وأظهر التقرير ارتفاع نسبة الشباب السعودي مقابل العدد الإجمالي للسكان مقارنة بنسبة عدد الشباب في مجموعة دول العشرين، والتي تمثل مجتمعةً حوالي 80% من الناتج الاقتصادي العالمي، وثلثي سكان العالم، وثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية وهي الولايات المتحدة وتركيا وكندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وجنوب إفريقيا والسعودية وروسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا وأستراليا والاتحاد الأوروبي.

وقد أشار التقرير إلى مؤشر مهم، وهو نسبة المتطوعين من فئة الشباب في المجتمع السعودي، حيث تمثل نسبة الشباب المتطوعين السعوديين (15-34) عاماً، خلال 12 شهراً السابقة على صدور التقرير، 14.3% إلى إجمالي الشباب السعوديين بين الفئة نفسها، وهي نسبة جيدة ومؤشر مهم يدل على تجذر ثقافة التطوع في المجتمع السعودي وحب البذل والعطاء، ويمكن البناء عليها في إطار تفعيل المشاركة المجتمعية للشباب في تنمية وتطوير المجتمع السعودي.

ولعل من اللافت كذلك في النسب المتعلقة بالشباب السعودي، التوزيع النسبي للشباب السعودي حسب الحالة الاجتماعية، حيث أظهر التقرير، وفقاً لمسح الخصائص السكانية 2017، أن نسبة من لم يتزوج من الشباب السعودي 65.1%، والنسبة الأعلى كانت في الذكور وبلغت 73.8% بينما كانت نسبة الإناث 56%، وهي تعطي مؤشراً على تأخر سن الزواج بين هذه الشريحة، وهذه النسبة تحتاج دراسة لبحث الأسباب وراء تأخر سن الزواج بين الشباب السعودي، وهل هو مرتبط بارتفاع تكاليف الزواج، أم تشكل تلك النسبة ظاهرة عزوف لعدم توفر الإمكانيات لتأسيس أسرة ورعايتها مما جعل الشباب يُحجم عن الزواج حتى تكتمل مقوماته وأسبابه المادية ؟

ويؤكد وجود ظاهرة كهذه بعض المسوح التي قامت بها بعض جمعيات التوجيه الأسري في المملكة، ومنها استطلاع أجرته الجمعية الخيرية للزواج والتوجيه بجدة، حيث كشفت نتائجه أن 74% من الشباب السعودي يرون أن غلاء المهور من أهم أسباب تأخر سن الزواج وأبان 64% من المشاركين بأن ظاهرة غلاء المهور لازالت موجودة.

وبالمقابل ذكر التقرير أن نسبة الطلاق في فئة الذكور 0.6%، وفي نسبة الإناث 1.7% وفقا لمسح الخصائص السكانية في 2017، على حين سجلت معدلات الطلاق في المملكة ارتفاعاً مطرداً للعام الخامس على التوالي، فيما انخفضت معدلات الإقبال على الزواج بشكل مطرد أيضاً في الفترة ذاتها، حيث بينت نتائج الكتاب الإحصائي السنوي لعام 2018 الذي صدر عن هيئة الإحصاءات العامة، أن عدد صكوك الطلاق الصادرة عن وزارة العدل خلال العام الماضي بلغ أكثر من 58 ألف صك بنسبة 28% من إجمالي الصكوك وعقود الزواج في 2018 والبالغة نحو 150 ألف عقد، وتبين النتائج أن متوسط معدلات الطلاق بات يرتفع سنوياً بنسبة 2% يقابلها انخفاض بذات النسبة في معدلات الزواج، وبلغت حالات الطلاق خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من 260 ألف حالة، وهو ما يؤكد وجود خلل كبير على صعيد العلاقات الأسرية، وله تداعيات سلبية وخطيرة على الصعيد الاجتماعي والأمني والاقتصادي.

وبالتدقيق في النتائج الإحصائية لمعدلات الطلاق خلال العام الماضي 2018، وهي الأعلى في تاريخ المملكة، يتضح من النتائج الإحصائية أن معدلات الطلاق وصلت إلى 7 حالات في الساعة الواحدة؛ أي بمعدل يتجاوز 161 حالة طلاق يومياً، وأن كل 10 زيجات يقابلها 3 حالات طلاق، أي أن ثلث حالات الزواج سنوياً تفشَل مع الأسف، وإذا قسنا تكلفة الزيجة الواحدة بقيمة 60 ألف ريال سعودي، باعتبار أن هذه هي التكلفة التي يقدمها «قرض الزواج» في بنك التنمية الاجتماعية لمساعدة الشباب السعودي المقبل على الزواج، سنجد أن الخسائر المادية الناجمة عن حالات الطلاق بلغت نحو 3.5 مليار ريال خلال عام 2018 فقط، والأرجح أن متوسط الحد الأدنى لتكاليف الزواج هو ضعف هذا المبلغ، أي أن الخسائر الناجمة عن حالات الطلاق تصل إلى أكثر من 7 مليارات ريال سنوياً.

ولا شك أن هذه المعدلات المتصاعدة – وإن كانت لا تخص فئة الشباب وحدهم – إلا أنها أصبحت «ظاهرة» لها تبعات سلبية عديدة وخطيرة في ذات الوقت على المجتمع السعودي لاسيما فئة الشباب، سواء من خلال التأثير السلبي عليهم بفعل طلاق الوالدين وهو ما يؤثر على تكوينهم النفسي، وقد يكون نموذجا سلبيا لا ينفك عنهم لفترات طويلة وقد ينسحب على سلوكهم عن الزواج في أسرهم الحديثة التي تم تأسيسها حديثا لاسيما في الخمس سنوات الأولى من الزواج، فالتفكك الأسري بحسب الكثير من الدراسات حول العالم يتسبب في تشتت الأبناء، ويساهم بشكل مباشر في تنامي ظواهر اجتماعية وسلوكية أخرى مرتبطة بالانحراف والإدمان والجريمة وسلبيات عديدة أخرى تؤثر على بنية المجتمع وتماسكه، فارتفاع معدلات الطلاق في أي مجتمع مؤشر على وجود العديد من المشكلات المختلفة، بما يجعل الحاجة ماسة لدراسة هذه الظاهرة معها ومواجهتها، وإيجاد الحلول المقننة لها، لأن للطلاق آثاراً وخيمة على الزوجين المطلقين والأبناء وتمتد هذه الآثار والمشكلات ليتأثر بها المجتمع ككل في حال زادت نسب الطلاق وارتفعت.

 

بين التقريرين

كما أشرنا فإن هذا التقرير كان مجمعاً لعدد من المسوح السابقة في موضوعات مختلفة وإن كان على نفس الفئة العمرية، لكن التقرير الأحدث الذي سنقوم باستعراض وتحليل نتائجه (مسح تنمية الشباب) قد وضعت له منهجية محددة لقياس عشر مؤشرات تتعلق بالشباب السعودي، كما سيأتي لاحقاً، وربما لأن الأول طرح كنتائج مجمعة على الأرجح من الهيئة العامة للإحصاء في مناسبة عالمية تخص الشباب وكأنه نوع من الاحتفاء بهذه الشريحة وبيان حجمها وتأثيرها ومشاكلها وطموحها وآمالها. لذا لم تكن نتائجه معتمدة، وسرعان ما أتبعته الهيئة بالتقرير الأحدث الذي نحن بصدده، لذا أردنا التنويه والإشارة إلى السابق واللاحق وبعض أوجه الشبه والاختلاف بينهما، وفيما يلي نعرض للتقرير الأحدث والأدق الذي أصدرته الهيئة العامة للإحصاء.

 

تحليل وقراءة في نتائج المسح

العينة المشمولة بالمسح هي (5000) أسرة كعينة مختارة وممثلة لمجتمع المسح على مستوى المملكة وموزعة حسب المناطق الإدارية على النحو التالي:

 

 

المؤشرات الرئيسة

قدم هذا المسح الذي قامت به الهيئة العامة للإحصاء 10 مؤشرات رئيسة حول قضايا محورية تخص فئة الشباب جاءت على النحو التالي:

  • نسبة الشباب السعودي بالنسبة لسكان المملكة السعوديين، ونسبة رضا الشباب الذين واجهوا صعوبات خلال التعليم، ونسبة رضا الشباب عن عملهم الحالي بشكل تام، ونسبة الشباب المشتغلين الذين واجهوا صعوبات في العمل (السابق/الحالي)، نسبة الشباب الذين يدخرون من دخلهم الشهري، وغيرها من المؤشرات التي سنتناولها بالتحليل وفقا للجدول التالي:

 

 

من خلال الجدول السابق يتضح أن نسبة السكان السعوديين للفئة العمرية من (0 – 34) سنة من إجمالي السكان (67.02%)، فيما تبلغ للفئة العمرية (15-34) سنة (36,70%) من إجمالي عدد السكان في المملكة.. لذلك:

يتبين لنا أن أكثر من ثلث المجتمع السعودي (شباب)، وهذا المؤشر لا بد أن يكون حاضراً في ذهن صانع القرار السعودي، ويؤكد ضرورة استثمار طاقات هذه الشريحة العمرية لصالح رؤية 2030، ويشير هذا المؤشر إلى وجود تحدٍّ كبير في التخطيط لتوفير سوق عمل وإتاحة وظائف ومشروعات صغيرة ومتوسطة تمنح لهذه الشريحة، بما ينعكس بشكل إيجابي على مؤشرات التنمية في المملكة، لذلك لا نبالغ إذ قلنا إن الشباب هم الحل الأول لجميع التحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجهها المملكة ويشكلون رافعة قوية للانطلاق في رؤية 2030.

 

الشباب والتركيبة السكانية

أوضحت نتائج المسح الذي بين أيدينا، أن نسبة السكان السعوديين للفئة العمرية (15-34) سنة بلغت 36,70% من إجمال عدد السكان، وبلغت نسبة الذكور منهم 51,03%، بينما بلغت نسبة الإناث 48,97%، وفقًا للموقع الإلكتروني لهيئة الإحصاء.

ولا يخفى أن معدَّل النمو للإجمالي السكاني في السعودية يُعد من المعدلات الأعلى في مجموعة الدول العشرين على مستوى السنوات السابقة، حيث يبلغ 2.52%، ولنلقِ الضوء أيضًا على جانب آخر من التركيبة السكانية من المهم أيضًا الوقوف عنده بمزيد من التأمل، حيث يتوزع السكان السعوديون حسب الجنس بما نسبته (%50,94) ذكور، (%49,06) إناث من جملة السكان السعوديين.

وهذه التركيبة السكانية للمملكة، بمجتمعها الشبابي والنمو السكاني وحجم الداخلين لسوق العمل سنوياً، تتطلب التوسع في بناء المؤشرات التنموية ذات العلاقة بالسكان والمجتمع، وإصدارها بشكل دوري، لدعم التنمية الوطنية، بإعطاء صورة شاملة عن المجتمع في المجالات السكانية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية ومتابعة متطلبات سوق العمل السعودي وفقاً لرؤية 2030.

وفي هذا السياق شكلت رؤية 2030 خطوة نوعية وتوجهاً إيجابياً نحو التركيز على شريحة الشباب؛ لإطلاق ما يملكه من قدرات ومهارات فاعلة وتوظيفها في عمليات البناء والتغيير والنهوض والتطور، بهدف تحقيق رؤية 2030 التي بدأ العالم يشهد ملامحها واضحة جلية على أرض الواقع.

 

دور الشباب السعودي في التنمية

كانت ولا زالت هناك هوة واسعة قائمة بين الواقع الذى يعيشه الشباب وبين الطموح المأمول؛ لأسباب تتعلق بالقدرات المالية وعدم توفر الخطط والبرامج الكافية للتأهيل والتنشئة والتربية، إضافة إلى أسباب معنوية تتعلق بالموروث العقائدي والاجتماعي وطبيعة القيم والعادات والتقاليد، وتركيبة المجتمع والعائلة ومستوى الانفتاح الاجتماعي، حيث تضافرت كل تلك العوامل لتحد من دور الشباب وتفاقم الأزمات المستشرية في أوساط الشباب: كالبطالة، ونقص المؤسسات الراعية للشباب ومواهبهم، ومراكز الترويح والترفيه. ولن يتحقق الطموح إلا من خلال وجود خطة تنمية واضحة المعالم تلبي احتياجات الشباب وتردم هذه الفجوة ويشارك الشباب في إحداث التنمية المنشودة؛ لذا فإن التركيز على دور الشباب المحوري في التنمية الوطنية المستدامة بكافة أبعادها يعني في مجمله رفع حس المسؤولية والانضباط لدى الشباب وتعزيز قيم التعاون والتعاضد بين أفراد المجتمع خصوصاً الشباب، والقيام بأدوار فاعلة في التنمية المجتمعية، كذلك إعادة بناء ذاكرة جيل الشباب بما يؤكد التواصل الثقافي والحضاري ومعرفة حقائق التاريخ والجغرافيا. إلى جانب تعزيز المواطنة لديهم وتعميق روح الانتماء لقضايا الوطن واحتياجاته.

وقد ذكر المسح أيضا أن نسبة الشباب أصحاب العمل الذين استفادوا من برامج الدعم التي تقدمها المؤسسات المالية قد بلغت (55.13%)، لذلك فإن الجهود الحكومية في القضاء على البطالة لا تنحصر فقط في توفير الوظائف وإنما بدعم الشباب أصحاب العمل ليمتلكوا أعمالهم الخاصة، ولأن الاقتصاد يعتمد على المنشآت الصغيرة بشكل كبير، لذا تعمل الجهات الحكومية على دعم أصحاب العمل الشباب، وهذا يعطي مؤشراً على وجود فرص حقيقية أمام الشباب في المملكة للتوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

 

 

الشباب ومواقع التواصل الاجتماعي

أوضحت نتائج المسح أن نسبة الشباب الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بلغت 98,43%، وبلغت نسبة الذكور منهم 98,63%، ونسبة الإناث 98,22%، في حين بلغت نسبة الشباب الذين أثَّرت شبكات التواصل الاجتماعيّ على علاقتهم الاجتماعية 35,83%، بلغت نسبة الذكور منهم 36,81%، ونسبة الإناث 34,80%، كما بلغت نسبة الشباب الذين لديهم معرفة تامة بأساسيات الإسعافات الأولية 19,21%، نسبة الذكور منهم 23,17%، ونسبة الإناث 15,09%.

وهذا يؤشر إلى أن جميع الشباب السعودي تقريباً يتواجدون في مواقع التواصل الاجتماعي (يؤثرون ويتأثرون بها)، وهذا المؤشر يحمل تحدياً كبيراً على مستوى المملكة؛ حيث تشكل مواقع التواصل نافذة حقيقية مفتوحة على العالم، وفي نفس الوقت يمكن أن تكون ميداناً واسعاً للشائعات وزعزعة العلاقات الاجتماعية، وهنا تأتي أهمية أنظمة الجرائم المعلوماتية وغيرها لضبط هذا الفضاء الذي أصبح من المستحيل التحكم فيما يثار فيه، خاصة وأن الحملات المغرضة من أعداء المملكة تتكثف في تلك المواقع.

وقال التقرير أيضا أن نسبة الشباب الذين أثَّرت شبكات التواصل الاجتماعي على علاقتهم الاجتماعية (35,83%)، وبالتأكيد فإن تقنية الاتصالات قد أصبحت تفرض نفسها على من يرغب ومن لا يرغب، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبحت عاملاً مؤثراً في تربية المجتمع وتغيير سلوكاته. فمواقع التواصل ليست فقط للمتعة، وإنما وسائل تؤثر على العلاقات الإنسانية سلباً أو إيجاباً، والذي يحدد ذلك هو مقدار الوعي لدى الشباب.

 

ولعل هذا المسح يفسر لنا بعض السلبيات التي تنتشر بين الشباب بفعل التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي ومنها:

  • الانعزال عن العالم الواقعي: وهذه من أكبر الآفات التي تحرم المجتمع من طاقات الشباب، فمع تزايد استخدام منصات التوصل الاجتماعي تقل حاجة المستخدم للتعامل مع الناس على أرض الواقع، وهذا قد يُفقد الشباب الكثير من مهارات التواصل مع مجتمعهم والناس من حولهم، ولا نبالغ إذا قلنا إنه يحولهم من شباب إلى كهول.
  • الإدمان: عندما يعتاد الشاب على استعمال هذه المواقع عندها يصاب بالإدمان وبالتالي يسبب له في وقت لاحق “أمراض نفسية عصرية”، قلق، عدم استقرار، حيرة، العصبية وغيرها، وتبني عادات ومعتقدات غريبة عن مجتمعنا العربي والإسلامي.
  • انتشار السلوكات والقيم غير اللائقة: كما أننا نستطيع أن نستغل منصات التواصل الاجتماعي في الدعوة إلى الأخلاق الحسنة والسلوك النبيل وإرشاد الناس إلى ما فيه صلاح معاشهم وتنمية مجتمعهم، كذلك هناك أناس يريدون نشر القيم الفاسدة والأفكار الخاطئة، ولن يخلو منهم أي مجتمع، لذا يجب أن نربي شبابنا على القيم النبيلة وتحصينهم فكريا وروحياً وسياسياً ودينياً.
  • هدر الأوقات: في هذه الأيام يقضي معظم الشباب غالب أوقاتهم على منصات التواصل الاجتماعي دون أي فائدة تعود عليهم أو على مجتمعهم، وبالتالي فإن هذا الوقت المهدور يسرق أوقات ثمينة أخرى يمكن استثمارها في:(تحصيل العلم، خدمة الأهل، الارتقاء بالذات وتنميتها، صلة الأرحام، المشاركة المجتمعية النافعة).
  • مشاكل زوجية: لا سيما في شريحة الشباب حديثي الزواج، وما تحدثه منصات التواصل من سلوكات مصاحبة لها، مثل التجسس على هاتف الزوج والزوجة، ومطالعة الصور والمشاهد المحرمة، فضلا عن الانشغال بها عن الاهتمام بالزوجة أو الزوج أو الأولاد مما يهدد استقرار الحياة الزوجية بل وقد يهدمها في سنواتها الأولى، والمؤشرات الدالة على ذلك كثيرة ومفزعة أحياناً.

 

وبالمقابل لا يمكن أن نغفل أن وسائل التواصل الاجتماعي كما أن لها سلبيات فلها إيجابيات وفوائد عظيمة، فلقد جعلت من العالم قرية صغيرة، وفتحت آفاق العلوم المختلفة للشباب، وقربت الثقافات بين الشعوب، واستخدمت كأداة ووسيلة لنشر الأخلاق الحسنة، وأطلقت عبر منصات التواصل العديد من المبادرات والمشاريع المجتمعية، وقربت العلوم لطلاب العلم في مشارق الأرض ومغاربها، وأطلقت خلالها العديد من مواهب الشباب وطاقاتهم ومبتكراتهم وعرفت بمشاريعهم وهواياتهم، وكم من موهبة لولا وسائل التواصل لم يسمع بها أحد.

 

 

الشباب وفرص العمل

كما كشفت نتائج المسح، أن نسبة الشباب المشتغلين الراضين عن عملهم الحالي بشكل تامّ بلغت 23,54%، نسبة الذكور منهم 23,90%، ونسبة الإناث 21,85%، كذلك بلغت نسبة الشباب المشتغلين الذين واجهوا صعوبات في العمل السابق/الحالي 45،88%، نسبة الذكور منهم 45،33%، بينما نسبة الإناث 48,53%.. وباستقراء هذه النسب والوقوف على دلالتها نلمس أن النسب المتعلقة بعدم الرضا عن العمل ربما ترجع لأمرين؛ أولهما: عدم تلبية الوظيفة لطموح الشباب، وهو أمر طبيعي في مقتبل العمر حيث تكون طموحات الشباب كبيرة ويريدون اختصار الكثير من المسافات بوقت قصير، وبالمقابل تعطي مؤشرا لضرورة أن يدرس الشباب واقع ومتطلبات سوق العمل قبل دخول المرحلة الجامعية حتى يختار التخصص المناسب الذي يوفر له فرصة عمل مناسب ويدر له عائد مادي مناسب. وثانيهما؛ أن الكثير من الشباب بعد التخرج يجد أن الوظيفة الحكومية لن تلبي طموحه وتحقق آماله في حياة الرفاه، وهنا يجب على العاملين مع الشباب أن يُساهموا في توجيه الشباب إلى الدخول إلى ميدان العمل الخاص.

 

الشباب وبرامج الدعم

وأوضحت نتائج المسح أن نسبة الشبابّ أصحاب العمل الذين استفادوا من برامج الدعم، التي تقدمها المؤسّسات المالية بلغت 55,13%، ومن الجدير بالذكر أن المملكة تسعى إلى تنمية قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة من ضمن مبادرات رؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020، حيث يتوالى دور المؤسسات والهيئات الحكومية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة عن طريق مساعدة رواد الأعمال لبدء مشاريعهم. ومن أهم برامج الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في السعودية: برنامج كفالة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وصندوق المئوية، وبرنامج بادر، وبرنامج رعاية المشاريع، وبرنامج دعم ريادة الأعمال لدى الشباب وهو أحد مبادرات الصندوق الخيري الاجتماعي، ويوفر هذا البرنامج الدعم الشامل لرواد ورائدات الأعمال في القطاعات الواعدة، من خلال الدورات التدريبية والتوجيه والإرشاد وكيفية الحصول على مكان العمل المناسب واستخدام تقنيات منخفضة التكلفة وكيفية الحصول القروض اللازمة. وبرنامج بيادر مركز ريادة الأعمال، وبرنامج معهد الملك سلمان لريادة الأعمال حيث يسعى المعهد إلىى نشر ثقافة العمل الحر وتقديم تعليم وتدريب مميـز لتنمية قدرات أفراد المجتمع وتمكينهم من إنشاء وإدارة المشروعات الريادية بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة وإنتاج بحوث تطبيقية تسهم في بناء مجتمع المعرفة.

 

الشباب والإنفاق المالي

كما بينت النتائج اختلاف عملية التخطيط في الإنفاق المالي بين الشباب الذين لديهم دخل شهري حيث توضح النتائج أن 10.57% منهم ليس لديهم أي تخطيط في الإنفاق، مقابل 89.43 % يخططون لإنفاق المال من إجمالي الشباب الذين لديهم دخل شهري. وبلغت نسبة المخططين للإنفاق، من الحاصلين على مؤهل جامعي (فما فوق) من الشباب، 40.53% (34.25 من الذكور مقابل 71.89 من الإناث).

في حين بلغت نسبة الشباب الذين يدخرون جزءاً من دخلهم الشهري 44,71%، بلغت نسبة الذكور منهم 43,62%، ونسبة الإناث 50,19%، وهناك 68.57% من هؤلاء الشباب قادرون على إدارة دخلهم بدرجة من جيدة إلى ممتازة (67.81% من الذكور، 72.27% من الإناث).

ووصلت قدرة 28.87% من إجمالي الشباب ذوي الدخل الشهري، القادرين على إدارة دخلهم، إلى درجة متوسطة (بنسبة 29.59% من الذكور مقابل %25.32 من الإناث)، وتدنت «إدارة الشباب للدخل الشهري» لدرجة سيئة لدى 2.56% من إجمالي الشباب أصحاب الدخل الشهري، وذلك بنسبة 2.59% من الذكور مقابل 2.42% من الإناث.

 

الشباب وثقافة السلامة

نظرا لأهمية معرفة الشباب بأساسيات الإسعافات الأولية فقد أظهرت النتائج أن نسبة الشباب الذين لديهم معرفة تامة بأساسيات الإسعافات الأولية بلغت 19.21% في حين بلغت نسبة من لديهم معرفة إلى حد ما 55.41% مقابل 25.83% ليس لديهم معرفة بأساسيات الإسعافات الأولية وهي نسبة جيدة ولكنها لا تتناسب مع ثقافة التطوع المنتشرة وسط الشباب السعودي، وتحتاج إلى المزيد من الجهود وتدريب الشباب على الكثير من مهارات الألفية الجديدة في مقتبل حياتهم الجامعية، فهذه المهارات وغيرها من شأنها أن ترتقي بالمشاركة المجتمعية للشباب، وتزيد من زخم مشاركته في رؤية 2030، لنقل المملكة إلى آفاق المرحلة الجديدة التي طرحتها الرؤية.

 

حاجات الشباب السعودي

 ربما لم يتناول هذا المسح هذا المحور على نحو مفصل ومستقل، لكن من خلال تحليل نتائج المسح ثمة دلالات تشير إلى حاجات الشباب السعودي، والوقوف على هذه الحاجات هو السبيل لمعرفة استعدادات الشباب وانخراطهم في العمل المجتمعي سواء أكان نشاطاً اجتماعياً أو سياسياً أو تنموياً، إنه من المطلوب معرفة الاحتياجات الأساسية للشباب والعمل على تلبيتها أو أخذها بعين الاعتبار لدى صياغة الخطط والبرامج؛ باعتبارها متطلبات ضرورية يجب إدراكها من قبل المعنيين. مع الإشارة إلى أن مفهوم الحاجات مفهوم نسبي يختلف من مجتمع إلى آخر تبعاً لطبيعة وخصوصيات المجتمع المدني، ومستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي. ويتفق المتخصصون في العمل مع الشباب على الحاجات التالية باعتبارها حاجات عامة تنطبق على جميع فئات الشباب وهي:

  1. الحاجة إلى استثمار طاقاته في نشاط يميل إليه، وتدريبه على تحمل المسؤولية خصوصاً أن الشباب لديه طاقات هائلة ويتطلع لبناء مستقبله وتحقيق أحلامه.
  2. الحاجة إلى تحقيق الذات، بما يعنيه من اختيار حر وواعٍ لدوره ومشاركته المجتمعية وشعوره بالانتماء لفكره أو قيمة أو وطن أو مشروع، أو مجموعة اجتماعية لها أهداف عامة.
  3. الحاجة إلى الرعاية الصحية المتكاملة والنفسية الأولية، والتي من شأنها أن تجعل من نموه نمواً متوازناً وإلى التفاعل مع مجتمعه بشكل سليم والعطاء له والتضحية من أجل، والشعور بالاستقرار والأمن والبعد عن التوترات والضغوط الحياتية.
  4. الحاجة إلى المعرفة والتعليم، لما لهما من دور مفتاحي وأساسي في حياة الشباب في عصر التكنولوجيا والسماوات المفتوحة، ولكونها توسع الآفاق والمدارك العقلية. وهو حق مكتسب وضروري مثل الماء الهواء في عصر ليس فيه مكان للجهلاء.
  5. الحاجة إلى الاستقلال في إطار الأسرة كمقدمة لبناء شخصيته المستقلة، وتأهيله لأخذ قراراته المصيرية في الحياة والعمل والانتماء، بطرق طوعية، بعيداً عن التدخل.
  6. تلبية الحاجات الاقتصادية الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، والتي بدونها سيفقد الأمل في الحياة ويصاب باليأس والإحباط وضعف الانتماء.
  7. الحاجة إلى الترفيه والترويح؛ فحياة الشباب ليست كلها عملاً ونشاطاً جدياً، بل يحتاج الشباب إلى توفير أماكن للترويح ومراكز ترفيهية ثقافية (دور سينما، مسرح، منتزهات، معسكرات شبابية).
  8. الحاجة إلى ثقافة أسرية والقيم المرتبط بها مثل قيم الادخار والاستقرار العائلي وضبط الإنفاق المالي، وبناء أسرة تساهم في بناء المجتمع وتطويره.
  9. الحاجة إلى بناء الشخصية القيادية الشابة من خلال تنمية القدرات القيادية وصقلها للمواهب الواعدة، وصهر ها في إطار مشروع يرفع من همة الشباب ويربطهم بالمستقبل مثل رؤية 2030.
  10. استمرار ومضاعفة برامج الدعم التي تقدمها الدولة والتحفيز لإنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم الاستشارات ودراسات الجدوى والتأهيل والتدريب للشباب الراغبين في العمل من أجل إحداث تنمية مستدامة ومشاريع ناجحة.

 

خاتمة

في الختام نوصى بأن يكون تقرير المسح هذا محل إطلاع ودراسة متأنية من قبل الهيئات والوزارات الحكومية في المملكة؛ للتعرف عن قرب على واقع الشباب وتطلعاتهم واحتياجاتهم، حتى يتسنى لهم التوظيف الأمثل لهذه الثروة البشرية التي تعد من أغلى الثروات التي حازتها المملكة، وأن تترجم هذه الدراسات إلى برامج عمل وتعقد لها ورش عمل لكيفية الاستفادة من هذه المسوح الرائدة لما بعدها. حيث إنها تشكل خطوة رائدة في إمداد الوزارات والجهات المعينة بمعلومات وافية ودقيقة عن أهم القطاعات الحيوية في المملكة؛ وهم فئة الشباب حاضر المملكة ومستقبلها.

 

 

 

 

 

ما مدى فائدة هذه المقالة؟

انقر على نجمة للتقييم!

متوسط تقييم 4.2 / 5. عدد الأصوات: 6

لا توجد أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذه المقالة.

نأسف لأن هذه المقالة لم تكن مفيدة لك!

دعنا نحسن هذه المقالة!

أخبرنا كيف يمكننا تحسين هذه المقالة؟

شارك
الأكثر قـــــراءة
تدريب المهارات النفسية للرياضيين شباب بيديا

4.8 (13)       د. أحمد الحراملة  استاذ مشارك في علم النفس الرياضي رئيس […]

دور الجهات السعودية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (ما يتعلق... مقالات

5 (1)       مروان عبد الحميد الخريسات مستشار وخبير في التخطيط الاستراتيجي والتنمية […]

العمل الشبابي الرقمي.. تطلُّعٌ نحو التوسُّع والانتشار مقالات

5 (15)       محمد العطاس       مقدمة: أثّرت التقنيات الرقمية على […]

تأهيل العاملين مع الشباب (أخصّائي الأنشطة المدرسية) مقالات

5 (3)         إعداد:  د. محمود ممدوح محمد مرزوق تحرير: قسم المحتوى […]

مقاربات في العمل مع الشباب شباب بيديا

5 (1)             المحتوى: ما هي المقاربة؟ ما هي المقاربات […]