المبادرة في اللغة أصلها فعل رباعي لازم متعد بحرف، فنقول (بَادَرْتُ، أُبَادِرُ، بَادِرْ، مصدر مُبَادَرَةٌ.) وهي الإسراع إلى. وخطوة جديدة تتقدم بها وتسبق. ومنها ما يتبادر إلى الذهن، وجمع بادر “بوادر” وهو ما يسرع به الإنسان من قول أو عمل، خيرا أو شرا: كأن نقول «كان كلامه بادرة خير في سبيل التفاهم»، بادَرَ أفراد المجتمع: تسارعوا[1]، والمتأمل في الدلالات يرى أنها تعني السبْق وسرعة البديهة في التقاط فكرة ما غابت عن الحاضرين، أو السبق في الفعل والحركة وإنجاز المهمة. وفي اللغة الإنجليزية هي القدرة باستقلالية على التقدير والتقييم والسبق في الفعل.
وتتعدد التعريفات حول معنى المبادرات الشبابية فالبعض يرى أنها “المشاريع الريادية التي يقودها الشباب وتهدف لتنمية المجتمع، وترتكز على مبادئ التنمية الشبابية المجتمعية، والتعلم بالممارسة”، وآخرون يرون أنها “مجموعة الأنشطة البسيطة القائمة على ما يمتلك الشباب من إمكانات وقدرات وتوظيفها لخدمة الناس من حولهم تطوعيا للمساهمة في تنمية الشباب ويٌعتبر المبادرون الشباب في هذا المستوى من الشخصيات القيادية في التنمية الاجتماعية باعتبارها من مقومات التنمية الوطنية [2]. فلا يوجد تعريف محدد للمبادرة الشبابية، وتعتمد التجارب والسياقات. فعلى سبيل المثال، تم الخروج بالتعريف التالي للمبادرات الشبابية الاجتماعية وبما يتناسب مع السياق العماني[3]:
“إسهام شبابي واعٍ ومدروس، وله دافع وغاية، وهو طوعي إرادي وغير ربحي، متفاعل بإيجابية مع سياقه المحيط، له قيمة اجتماعية يهدف إلى إحداث تغيير أو (فارق) اجتماعي باستخدام الموارد المتاحة، ترتكز بالدرجة الأولى على ما يمتلكه الشباب من إمكانات وقدرات وحسن توظيفها”. وعادة ما يتضمن دوائر مختلفة من الأثر، تشمل المبادرين أنفسهم ومجتمعاتهم. وفي هذا السياق تعد المبادرة شبابية، إذا قام بإطلاقها وتنفيذها وقيادتها واستفاد منها الشباب.
وبشكل عام هناك عدد من الملامح الأساسية التي تميز المبادرات الشبابية كمفهوم للعمل في تنمية الشباب ومشاركتهم، ويمكن إجمال هذه الملامح بالتالي:
- المبادرة الشبابية من الشباب
بما أنها مبادرة شبابية فهي حتما من الشباب، بمعنى أن الشباب هم أصحاب الفكرة، ومن يود تنفيذها. لكن كلمة شبابية قد توحي أنها حكراً وحصراً على الشباب؛ فهم من يطلق الفكرة ومن ينفذ ويقيم وكأنه يجب ألا يكون وجود للأصغر سناً أو الأكبر سناً في هذه المبادرات، وحقيقةً ومن وجهة نظرنا، إن هذا الفهم بحاجة إلى إعادة تفكير.
فنعم يجب أن تكون المبادرة الشبابية تخرج من الشباب أنفسهم إلا أنها عملية تفاعلية مع المجتمع، يشارك بها المجتمع كلٌ حسب طاقاته وإمكاناته، ومن هنا يظهر أهمية دور الأصغر سناً والأكبر سناً في كل عملية تنفيذ المبادرة. فالمعلم، ومشرفة المركز، كما الأم معنيون بأن يكونوا على طاولة النقاش وتنفيذ المبادرة، فكما أن المجتمع لا يُبنى على أكتاف من هم أكبر سناً لوحدهم كذلك الأمر بالنسبة للمبادرات الشبابية، لا تقوم على أكتاف الشباب لوحدهم. وإن كان الشباب هم محور العمل الرئيسي. إن أرقى أنواع المبادرات الشبابية هي تلك التي يطلقها الشباب والشابات ويتلقفها العاملون مع الشباب ويدعموها قلباً وقالباً، يجلسون مع الشباب، يفكرون سوياً، ينفذون سوية كل حسب قدرته، مع أهمية إفساح المجال للشباب للمغامرة والتجريب، وفي النهاية يأخذون القرارات سوية ليس بناء على السن أو المكانة ولكن بناء على القدرة وجودة الفكرة. المبادرة الشبابية عمودها الفقري الشباب والشابات ولكن هذا لا ينفي دور الكبار والآخرين.
- المبادرة الشبابية هي خدمة للشباب أنفسهم ومن حولهم
تقوم المبادرة الشبابية على مفهوم أساسي وهو خدمة الناس من حول الشابات والشباب، فهي “من الشباب” إلى “من حولهم” سواء أكانوا شباباً وشابات أو من هم أكبر سناً أو أصغر. ومن خلال تجربتنا في هذه المبادرات، لاحظنا أن الشباب والشابات عادة ما يتوجهوا إلى من حولهم من الناس كزملائهم الطلاب، الحي، الأهل، الأصغر سناً، بمعنى أنهم يخدمون الدائرة الأولى من المعارف. وهذا على خلاف المشاريع الشبابية التي تستهدف فئات مجتمعية أكثر عمومية وتخرج من إطار الفئات التي من حولهم كشباب.
- المبادرة الشبابية قد تكون فردية أو ثنائية أو جماعية
قد تكون المبادرة منطلقة ومنفذة من شاب أو شابة أو مجموعة منهم، فليس بالضرورة أن تكون المبادرة جماعية دائما وإن كانت المبادرات الجماعية مفضلة بحكم أنها تغني مناخ التعلم لدى الشابة والشاب والمجموعة بشكل عام.
- المبادرة الشبابية بسيطة
تتميز المبادرة الشبابية بكونها بسيطة، بمعنى أنها غير معقدة ولا تحتاج إلى كثير من التحضيرات والأدوات والتمويل لكي يتم تنفيذها، فهي عبارة عن مجموعة من الأنشطة البسيطة القائمة على ما يمتلك الشباب والشابات من إمكانات وقدرات وتوظيفها لخدمة الناس من حولهم، دون الحاجة إلى تمويل خارجي، بل تمتاز بأنها مبادرات قليلة التكلفة أو معدومة الكلفة. وهذا لا يعني أن المبادرات لا تكلف فلو تم احتساب ساعات عمل الشباب والشابات المبادرين وفرق العمل المشاركة معهم، واحتساب المساهمات من الناس من حولهم، فحتماً المحصلة مبلغ معقول، لكن الفكرة هنا أن هذه المبادرة لم تكن قائمة على ممول خارجي، بل على العكس قائمة على التطوع ومجهود ومساهمات من الشباب والشابات ومن حولهم.
ومن الجدير ذكره أن بعض المبادرات قد تفوق كلفتها قدرة المجموعة المبادرة لتوفير الموارد المالية لها، فهل يعني هذا أن يتم تغيير الفكرة أو الموضوع؟ وهل الاستمرار في الفكرة والبدء عن البحث عن جهة لتدعمها يتناقض مع مبدأ المرونة؟ أم أن البحث عن ممول هو استجابة عملية لواقع واجه المجموعة يمثل أحد صور المرونة؟
- المبادرة الشبابية تطوعية بشكل عام
فالمبادرات الشبابية قائمة لخدمة الناس دون مقابل، بل قد يدفع الشاب أو الشابة من جهده ووقته بل وحتى من مصروفه. فمن وجهة نظرنا أن المبادرات الشبابية يجب أن تكون بسيطة غير مكلفة وتقوم على جهود الأفراد دون مقابل، وذلك حتى يستطيع الشباب والشابات تنفيذها والقيام بها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن من نتائج المبادرات التي لاحظناها حالة الرضا الداخلي الذي شعر بها الشابات والشباب أثناء تنفيذهم المبادرة وبعدها، بالإضافة إلى إغنائها لتجاربهم وخبراتهم الحياتية.
إلا أن هذا لا يمنع أن بعض المبادرات قد تتطلب بعض التمويل لتنفيذها خاصة إذا تخطت إمكانات الشباب والشابات، وإن كنا نرى أن الأساس في المبادرات الشبابية أنها تقوم على التطوع.
- المبادرة الشبابية ليست معنية بالاستمرارية كالمشاريع الشبابية
إن الشباب والشابات المبادرون هم في نهاية الأمر مجموعة من الأفراد، تجمعوا لغاية محددة ألا وهي التعبير عن ذواتهم وخدمة مجتمعهم ولفترة محددة. فهم ليسوا مؤسسات ومنظمات يجب أن تضمن استمرارية المشاريع الشبابية أو استمرارية أثرها على من حولهم، وإن كانت المبادرة الشبابية ستترك أثرها في عقول ونفوس الشباب والشابات المبادرين أو من شملتهم المبادرة. ويجدر بالذكر بأن هناك خلط كبير بين مفهوم المبادرات الشبابية والمشاريع الشبابية، لذا ارتأينا أن نقدم مصفوفة (وردت لاحقاً) كمحاولة أولية لتوضيح أوجه الالتقاء والاختلاف بين المشاريع الشبابية والمبادرات الشبابية، بالإضافة إلى المشاريع التنموية التي تستهدف الشباب. كما يجدر بالذكر أيضاً أن بعض المبادرات الشبابية قد تتحول إلى مشاريع شبابية.
- المبادرة الشبابية ملهمة
وإن كانت المبادرات الشبابية ليست معنية بالاستمرارية، إلا أنها ملهمة، فقد لاحظنا أن المبادرات الشبابية قد تلهم الشباب والشابات سواء أكانوا المبادرين أو من حولهم على القيام بمبادرات مشابهة أو حتى بأفكار جديدة، وهكذا تصبح هنالك حالة من العدوى الإيجابية بين الشباب والشابات لخدمة الناس من حولهم وخدمة أنفسهم، وهذا بحكم كونها سهلة التطبيق والإعداد.
- المبادرة الشبابية أبعد من كونها مبادرة فاشلة أو ناجحة
إن المبادرة بحد ذاتها ممارسة وفعل تعلم، وعلى خلاف المشاريع التي تستهدف الشباب فهي غير مرتبطة بمجموعة من الأهداف الموضوعة مسبقاً الثابتة نسبياً، والتي تقيم المشاريع بناء عليها في نهاية المشروع، لتوصف بعدها بالفشل أو النجاح تبعاً لذلك. الأمر في المبادرات الشبابية مختلف، فليس المهم النتائج الموضوعة سلفاً والمأمول تحقيقها، بل هي النتائج والمستخلصات التي يتوصل لها الشباب والشابات المبادرون أثناء وفي نهاية مبادراتهم، المهم ماذا تعلموا من هذه التجربة وماذا أضافت لخبرتهم الحياتية وكيف وظفوا مهاراتهم الحياتية فيها.
[1] https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9/
[2] https://www.facebook.com/UN.Volunteers.Yemen
[3] الدليل الاسترشادي للمبادرات الشبابية في سلطنة عمان
4.8 (13) د. أحمد الحراملة استاذ مشارك في علم النفس الرياضي رئيس […]
5 (1) مروان عبد الحميد الخريسات مستشار وخبير في التخطيط الاستراتيجي والتنمية […]
5 (17) محمد العطاس مقدمة: أثّرت التقنيات الرقمية على […]
5 (3) إعداد: د. محمود ممدوح محمد مرزوق تحرير: قسم المحتوى […]