الابتكار في العمل الشبابي: مدخل وتعريف
5
(2)

 

إعداد مجموعة من الباحثين

 

تقديم

الابتكار جزءٌ لا يتجزأ من نسيج العمل الشبابي، فلَمْ يكن الجمود يومًا ما خيارًا متاحًا أمام العمل الشبابي، الذي كان سبّاقًا -وبشكل دائم-في التجديد والتغيير والاستجابة للاتجاهات الجديدة للشباب، لاسيما في ظلِّ التطورات التكنولوجية التي أصبحت واقعًا نعيشه، وركيزة أساسية من ركائز الحياة الاجتماعية للشباب ولغيرهم من الفئات. لا يخلو أي حديث في الإعلام أو عالم الشركات والمال والأعمال حاليًّا من كلمة إبداع أو ابتكار؛ حتى أصبحت هذه الكلمات الرنانة متشعبةً ومنتشرة في كافة القطاعات تقريبًا. العالم القائم على الاستهلاك والذي نعيش فيه الآن مفتون -إلى حد كبير-بكل ما هو جديد؛ ولهذا ذاع صيت مثل هذه المفاهيم والمصطلحات التي تعكس الحاجة لإنشاء منتجات وخدمات جديدة ليس فقط لتلبية الاحتياجات الجديدة، ولكن أيضًا لضمان النمو الاقتصادي. قد يظن البعض أنَّ هذه المفاهيم مفاهيم عصرية بالضرورة، لكن هذا غير صحيح؛ فالإبداع، والابتكار… هي مفاهيم جوهرية في مسيرة التطور الإنساني منذ بدايتها.

 

في تعريف الابتكار

بالعودة للأدبيات المتاحة في هذا الشأن، يمكننا القول بصعوبة تعريف الابتكار في ظلِّ تنوع وتعدد البيئات. والثقافات الموجودة في العالم هي التي تتسم بعدم التجانس في الأفكار والمعتقدات؛ وعليه، فالابتكار كمفهوم قد يختلف من دولة لأخرى ومن مجتمع لآخر. مع التسليم بعدم وجود تعريف جامع للابتكار، يمكن استنتاج بعض الاتجاهات الأساسية في تعريفه ووصفه. وصف الابتكار-على سبيل المثال لا الحصر-بأنه: ذلك الشيء الذي يهدف إلى توفير الإلهام وتقديم الإرشادات العامة للمشروعات المحلية، الوطنية، الإقليمية والعالمية، والتي تأتي كردِّ فعل للحاجات الإنسانية المتنوعة على كافة هذه الأصعدة. والابتكار أيضًا هو الممارسة التي ” تستجيب للاحتياجات” أو تنطوي على ” القدرة على التكيف مع المستجدات” أو “البناء على فكرة أو نشاط أو بنية ما” أو “السعي لخلق شيء جديد” أو” البناء على شيء قديم وتطويره بناءً على احتياجات جديدة”. يرتبط مفهوم الابتكار بالعديد من المفاهيم الأخرى، مثل: الثقافة الفرعية، وتنمية الاحتياجات، والمهارات الشخصية، والتغييرات الثقافية، والمشاركة الفعالة، والكفاءة، و(الرقمنة)، ووسائل التواصل الاجتماعي، كما يتشابك مع مفهوم الإبداع أيضًا. يشير مفهوم الإبداع إلى الكفاءة البشرية؛ أي القدرة الداخلية على خلق شيء جديد من خلال الخيال والمزج بين عمليات التفكير المتقاربة والمتباينة. أمّا الابتكار فعلى الرغم من الصلة الوثيقة بين المفهومين، إلا أنهما لا يعبران عن نفس الشيء؛ فالابتكار لا يشير إلى القدرات الإبداعية الداخلية للأفراد، ولكن إلى النواتج الخارجية لتلك المهارات الإبداعية.  الإبداع ككفاءة يسمح لنا بالحصول على أفكار جديدة، لكن الابتكار ينظر لتلك الأفكار عندما تتحول لحلول حقيقية تضيف قيمة إلى مجالٍ معين، بيد أنَّ الاهتمام المتزايد بمفهوم الابتكار في عالمنا الحالي لا يجب أنْ يُنسيَنا أنه ليس هدفًا في حد ذاته، لكنَّه أقرب لأنْ يكون منهجًا للاستجابة للواقع الذي نعيشه، وردَّ فعل مجتمعي على أي فشل أو عطل من أعلى إلى أسفل وهذا يتعلق بالعدالة والصحة والتعليم والعديد من الخدمات الأخرى التي من المتوقع أنْ تقدمها الدول والمجتمعات الحديثة للشباب وغيرهم من الفئات. ليس بالضرورة أنْ يأخذ الابتكار شكلَ تغيير جذري أو حاد؛ فبعض الابتكارات تكون مجرد إدخال تحسينات صغيرة أو متواضعة للتدخلات الحالية، كما أنه لا ينصب دائمًا على العثور على الجديد المطلق، بل في كثير من الأحيان يتعلق الأمر فقط بنقل، أو إعادة دمج، أو تكييف الحلول القديمة مع أغراض جديدة. أخيرًا: يعد الابتكار أمرًا نسبيًّا مرتبطًا بالزمان والمكان، والسياق هو الذي يحدد ماهيته، فما هو مبتكر في سياق قد لا يكون مبتكرًا في غيره.  

 

الابتكار في العمل الشبابي

عطفًا على ما سبق، يمكننا الحديث عن سبعة اتجاهات رئيسية لتعريف الابتكار في إطار العمل الشبابي، وهي كالتالي:

  1. تلبية الاحتياجات: تختلف الاحتياجات باختلاف الزمان والمكان؛ مما يتطلب-بالضرورة-وجود استجابات متنوعة لهذه الاحتياجات المختلفة. هذا هو جوهر فكرة تلبية الاحتياجات التي ترى في العمل الشبابي القدرة على توفير حلول بديلة للشباب أينما كانوا.
  2. وضع الشباب على رأس الأولويات: يركز هذا الاتجاه على أهمية تغيير المقاربة التي يتعامل بها العامل مع الشباب أنفسهم، ويؤكد على محورية عدم فرض رأيه أو إرادته عليهم مع إتاحة الفرصة لهم لتشكيل واقعهم الخاص.
  3. الارتباط بالشباب والعمل معهم مباشرة: يشير هذا الاتجاه إلى كيفية تنفيذ الأنشطة الموجهة للشباب وإلى الطريقة التي يستخدمها العاملون مع الشباب للوصول لأهدافهم فيما يتعلق بالعمل الشبابي.
  4. أما مستوى التنفيذ، فيتشابه مع العمل مباشرة مع الشباب، ووضع الشباب على رأس الأولويات، إلا أنه يهتم بالجانب التنظيمي والتنسيقي على أرض الواقع إلى حد كبير.
  5. خلق شيء جديد: ينطوي هذا الاتجاه على إنشاء طرق جديدة للتعامل مع الاحتياجات، الأسئلة والأفكار الخاصة بالشباب، كما يرى في الابتكار عملية مستمرة للنمو والتطور لا تتوقف عند ما هو قائم، وتبحث بشكل مستمر عن الحلول الجديدة للمشاكل الحالية.
  6. يتضمن البناء على ما هو قائم الاهتمام بكيفية تطوير الآليات والأنشطة والهياكل الموجودة بالفعل بدلاً من صنع آليات وأنشطة جديدة. يرى هذا الاتجاه الابتكار كعملية تحسينية بالأساس.
  7. التكيف: التعاطي مع المستجدات بشكل فعال ودائم هو جوهر عملية التكييف وجوهر الابتكار بالضرورة.

 

لا يرتبط الابتكار في العمل الشبابي فقط بتلبية الاحتياجات فقط، بل يتشابك أيضًا مع التحديات والمعوقات التي تواجه العمل الشبابي، وقدرة العاملين مع الشباب على التعامل معها. في ضوء ما سبق، تم تقسيم هذه التحديات والتي تعتبر ميادين للتدخلات الابتكارية إلى أربع فئات رئيسية، هي السياسة، والاقتصاد، المجتمع، والتكنولوجيا. نشير إلى أبرز الموضوعات الخاصة بكل فئة على سبيل المثال فيما يأتي:

  1. فيما يتعلق بالسياسة، كانت التحديات الرئيسية التي تحتاج للابتكار هي الافتقار إلى حوار حقيقي وجاد بين الشباب حول القضايا العامة، تصاعد النزعات العنصرية والتطرف، والفجوة بين المواطنين وصناع القرار.
  2. أمَّا من الناحية الاقتصادية، ارتبطت التحديات بعدم أمان واستقرار سوق العمل، وهو الذي ينجم عن السياسات المالية التي تنتهجها الدول وتفاقم الفجوات بين الأغنياء والفقراء. لعل عدم الأمان الاقتصادي هو السبب الرئيسي في زيادة الطلب على اهتمام العاملين مع الشباب في العمل مع الشباب على رفع كفاءتهم الأساسية، لاسيما فيما يتعلق بدخول سوق العمل.
  3. من الناحية الاجتماعية، برز تأثير المهاجرين واللاجئين على المجتمعات، وقضايا الطفولة، ونمو النزعة الفردية الاستهلاكية كميادين للتدخلات الابتكارية على الصعيد الاجتماعي.
  4. أخيرًا، تضمنت التحديات التكنولوجية كيفية الوصول إلى كميات هائلة من البيانات عبر الإنترنت، والفجوة الرقمية، وظهور أدوات اتصال جديدة والاتصال الافتراضي.

 

إذا كانت التحديات السابقة هي تحديات عامة تتشابه في كثير من الدول بالضرورة، إلا أن السياق السعودي يتضمن إضافة إلى بعض ما سبق بعض التحديات الأخرى، والتي تختلف باختلاف السياق الثقافي السائد فيها؛ فنجد-على سبيل المثال لا الحصر-أنَّ مهنة العامل مع الشباب، ورفع الكفاءات والقدرات الخاصة بالشباب والعاملين معهم، ودعم المشاركة الفعالة والتمويل من أبرز التحديات التي تواجه العمل الشبابي في المملكة.

 

 يتركز الابتكار حول تطوير الحياة الاجتماعية للشباب، والتعرف على التغيرات التي طرأت عليهم نتيجة (الرقمنة) والتوسع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ وعليه، فإنَّ الابتكار يهتم-وبشكل كبير-بمعرفة المزيد عن هذه الاتجاهات الرقمية، ومحاولة إشراك الشباب في أنشطة عبر وسيط مألوف لهم، مثل شبكة الإنترنت وما تحتويه من وسائل للتواصل الاجتماعي، ومواقع إلكترونية وتطبيقات متعددة. وهذا لا يعني أنْ يَترك الشباب والعاملون معهم مواقعَهم في أرض الواقع، ولكن يمكن لهم الاتجاه نحو المزج بين العالمين وبين أدوات العالمين؛ لتحقيق أثر إيجابي في حياة الشباب.

 

بشكل عام، يرتبط الابتكار في العمل الشبابي بفهم واقع الشباب كخطوة أساسية نحو تطوير أساليب جديدة للتعامل معهم؛ لذلك هناك ضرورة لأن يكون العاملون مع الشباب على اطّلاع دائم بقنوات الاتصال المفضلة لدى الشباب والطرق الحديثة للتغيير، لاسيما فيما يتعلق باستخدام الشبكات الاجتماعية والتطبيقات والمواقع الإلكترونية بما في ذلك الأجهزة التكنولوجية، مثل الهواتف الذكية أو غيرها؛ لأنها ضرورة من ضرورات عملهم، والمسألة ليست مجرد مسألة اللحاق بقطار (الرقمنة) فقط؛ فيمكن للعاملين مع الشباب النظر لهذه التكنولوجيا والتحديثات كنوافذ لخلق فرص لاستكشاف حلول جديدة للصعوبات التي تواجههم، كما أنَّ هذه التحديثات قد تكون طرقًا فعالة لتعزيز التعليم غير الرسمي.  يمكن أيضًا أنْ تكون الألعاب عبر الإنترنت أداة جذابة وفعالة للغاية لاكتساب الشباب المعرفة حول القضايا الاجتماعية المعقدة. إضافة إلى ذلك، يمكن أنْ تساعد تطبيقات اللعب في تنمية المهارات، وخلق مساحات للحوار المجتمعي والمشاركة.

 

تتطلب الحياة التي نعيشها الآنَ قدرة كبيرة على التكيف وامتلاك المهارات التي لا تقوم المدرسة بتقديمها لطلابها، من هذه المهارات (وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2020) حل المشكلات المعقدة، والتفكير النقدي، والابتكار والإبداع، وإدارة الأفراد. يمكن أنْ يلعب العاملون مع الشباب دورًا في تطوير هذه المهارات عبر الإنترنت بدون الحاجة للتلاقي وجهًا لوجه مع التسليم بأهمية ذلك. من الأساليب المبتكرة في هذا السياق: مراكز الشباب الافتراضية virtual youth centres، الألعاب التعليمية عبر الإنترنت  Online educational games، تطبيقات التعلم وشارات التعلم learning apps and learning badges ، الواقع الافتراضي virtual reality، فضاءات التصنيع makerspaces، البحث الإجرائي  action-research ، منصات المشاركة الإلكترونية platforms for e-participation ، والممارسات التعاونية المجتمعية عبر الإنترنتOnline community-based collaborative practices.

 

كما تتطلب القدرة على تنفيذ هذه الأساليب الابتكارية عقلياتٍ منفتحةً، وعلى قدرٍ كبير من الاستباقية والتنبؤ. يمكن للعاملين مع الشباب تلقي تدريبات في هذا الشأن من خلال مسارات أكاديمية ومهنية محددة. لكن ومع الأسف فإن التدريبات المتاحة حاليًّا للعاملين مع الشباب لا تعطي أولوية للبحث والإبداع والابتكار ككفاءات أساسية؛ ومن الصعب على العاملين مع الشباب الاتجاه للابتكار إذا كانت احتياجاتهم الخاصة، مثل: الاعتراف بالمهنة، والاستقرار المالي، والدعم التنظيمي، والتدريب الأكاديمي، وغيرها الكثير… غير متحققة. هذا الأمر يؤكد على أهمية تدريب العاملين مع الشباب للدخول في خضم العملية الابتكارية، لذا فإننا سنقترح خطوات عملية، ونستعرض أمثلة لأدوات ابتكارية، ونماذج لمنظمات تعمل في هذا المجال خلال مقالاتنا التالية.

 

 

المراجع

  • Theo Gavrielides, European Academy on youth work (1st edition): Innovation, Current Trends Developments in Youth Work, final report, 2019.
  • Naomi Stanton, Innovation in Youth Work: Thinking in practice, YMCA George Williams College.
  • European Commission, Unleashing young people’s creativity and innovation: European good practice projects, 2015.
  • Future labs, Developing youth work innovation (E-handbook), 2019.
  • Erasmus programme of the European Union, Innovation in youth work, 2017.
  • Tony Jeffs, Innovation and Youth Work, Youth & Policy Special Edition: The Next Five Years: Prospects for young people,2015.
  • European Commission, Developing the creative and innovative potential of young people through non-formal learning in ways that are relevant to employability, expert group report, 2014.

 

 

 

 

 

ما مدى فائدة هذه المقالة؟

انقر على نجمة للتقييم!

متوسط تقييم 5 / 5. عدد الأصوات: 2

لا توجد أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذه المقالة.

نأسف لأن هذه المقالة لم تكن مفيدة لك!

دعنا نحسن هذه المقالة!

أخبرنا كيف يمكننا تحسين هذه المقالة؟

شارك
الأكثر قـــــراءة
تدريب المهارات النفسية للرياضيين شباب بيديا

4.8 (13)       د. أحمد الحراملة  استاذ مشارك في علم النفس الرياضي رئيس […]

دور الجهات السعودية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (ما يتعلق... مقالات

5 (1)       مروان عبد الحميد الخريسات مستشار وخبير في التخطيط الاستراتيجي والتنمية […]

العمل الشبابي الرقمي.. تطلُّعٌ نحو التوسُّع والانتشار مقالات

5 (17)       محمد العطاس       مقدمة: أثّرت التقنيات الرقمية على […]

تأهيل العاملين مع الشباب (أخصّائي الأنشطة المدرسية) مقالات

5 (3)         إعداد:  د. محمود ممدوح محمد مرزوق تحرير: قسم المحتوى […]

مقاربات في العمل مع الشباب شباب بيديا

5 (1)             المحتوى: ما هي المقاربة؟ ما هي المقاربات […]