إعداد مجموعة من الباحثين
يعد الترفيه مطلبًا أساسيًّا في حياة الإنسان، وبدونه لا يستطيع الإنسان أن يحيا حياةً طبيعيةً ومتوازنة. وتبرز الحاجة الماسة للترفيه على وجه الخصوص في مرحلة الشباب، التي تتميز بكونها مرحلة التطور والتشكل في مختلف جوانب الشخصية الإنسانية. تشكل هذه المرحلة نقلةً نوعيةً في حياة الإنسان، تنقله من طور الطفولة إلى حياة الكبار. تتبلور شخصية الأفراد في هذه الأثناء، لاسيما وأنهم يمرون بمرحلة الإعداد والبناء للمستقبل، ويواجهون في سبيل ذلك العديد من المعوِّقات، الأمر الذي يؤكد على حاجتهم الماسة للترفيه الفعال؛ لتحقيق ذواتهم ومجابهة ما يقف أمامهم من صعاب. في هذا السياق ينبغي على القائمين على أمر الشباب التعرف -وبشكل دقيق-على مطالبهم واحتياجاتهم، والعمل على إشباعها؛ من خلال الترفيه، وغيره من التدخلات التنموية الأخرى. اتصالاً بما سبق، يمكن تقسيم حاجات الشباب إلى ثلاث فئات رئيسية، هي: الحاجات الفسيولوجية، والمرتبطة بنمو الجسد وتوازنه وصحته، الحاجات النفسية، والمرتبطة بالتوازن النفسي وتحقيق الذات، وأخيرًا: الحاجات الاجتماعية، والمرتبطة بعلاقة الشاب بالبيئة التي يعيش فيها[1]، حيث يتم إشباع هذه الحاجات بشكل أساسي عن طريق القيام بممارسة الأنشطة الترفيهية خلال أوقات الفراغ المتاحة. وتنقسم أوقات الفراغ في هذا الشأن إلى ما يعرف بأوقات الفراغ النشطة (ترتبط بممارسة حقيقية) وأوقات الفراغ السلبية. وتشير العديد من الدراسات المتخصصة إلى أنَّ التطور العلمي والتكنولوجي قد أديا إلى التغيير في نمط الأنشطة الترفيهية التي يقوم بها الأشخاص؛ حيث أصبحت أكثر فردية وسلبية عن ذي قبل[2]. وبغض النظر عن الطبيعة السلبية أو النشطة للأنشطة الترفيهية، فإنَّ الحق في الحصول على وقت الفراغ واستغلاله عن طريق الترفيه منصوصٌ عليه صراحة في المادة (31) من اتفاقية حقوق الطفل لعام (1989)[3].
تعريف الترفيه
لا يوجد تعريف جامع مانع للترفيه، إذ تتنوع وتتعدد التعريفات الخاصة به، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يعرف التعليق العام رقم (17) للجنة حقوق الطفل وقت الفراغ على أنه: ” الوقت الذي يتم فيها اللعب أو الترفيه”، هذا الوقت المجاني، وغير الملزم، الذي لا يتضمن الانخراط في التعليم الرسمي، أو العمل، أو المسؤوليات المنزلية، أو أداء وظائف أخرى في الحياة[4]. بعبارة أخرى: يمكن أن يشكل الترفيه فرصة متاحة للتفاعل مع العائلة، أو الأسرة، أو قضاء الوقت بشكل منفرد، ويمكن استخدامه أيضا بِحُرِّيَة في تطوير الجسد، المهارات الفكرية والإبداعية. في تعريف أخر، فإنَّ وقت الفراغ هو ذلك الوقت الذي يكتسبه الإنسان لنفسه نتيجة للإعفاء المؤقت من العمل والواجبات الأخرى، وله الحرية في أنْ يفعل ما يشاء خلاله فيمكن استخدامه في الترفيه، أو كسر الجمود، أو الإنجاز الاجتماعي، أو تطوير الذات[5]. بالتطبيق على الشباب والأطفال، يمكننا القول: إنَّ وقت الفراغ هو ذلك الوقت المتبقي للشباب بعد الوفاء بكافة الالتزامات المدرسية والجامعية. هذا الوقت المستقطع هو مكوِّن مهم في حياتهم، يتعرضون خلاله لعددٍ كبيرٍ من المؤثرات القادمة من البيئة الخارجية، سواء كانت إيجابية، أو سلبية؛ ولهذا فإنَّ للترفيه دورًا مزدوجًا في حياة الشباب، على سبيل المثال، و(وفقًا لبعض الدراسات) يقضي معظم الشباب والأطفال أوقات فراغهم على الإنترنت في مقابل محدودية الاهتمام بالأنشطة الثقافية الأخرى. يعد هذا الأمر أمرا مقلقا للخبراء والمتخصصين؛ لأن الإنترنت مجرد وسيلة إلكترونية قد تؤدي إلى ظهور العديد من أشكال السلوك الخطير. كما أشارت بعض الأبحاث والدراسات إلى أنَّ معظم الشابات يقضين وقتًا أطول على الوسائط الإلكترونية والقيام بأنشطة ثقافية والتواصل الاجتماعي والقيام بالنزهات وأنشطة الاسترخاء، بينما يقضي الشباب المزيد من أوقات فراغهم في الأنشطة الرياضية[6].
أهمية الترفيه
للترفيه أهمية كبيرة في حياة الإنسان، وإنْ ظَنَّ البعضُ غيرَ ذلك، فالفوائد العائدة على المجتمعات من الترفيه تتساوى مع الفوائد العائدة عليهم من العمل والتنمية. العمل والترفيه وجهان لعملة واحدة، تهدف إلى تحسين جودة حياة الأفراد، وتحقيق التوازن بين مختلف أبعاد شخصية الفرد، ولعل أهمية القيام بالأنشطة الترفيهية تكمن في التالي:
- تحقيق السعادة، والتوازن الإنساني، وتحسين جودة الحياة: يُعد الترفيه وسيلةً ناجعة في تسلية الإنسان، وتخفيف حدة الضغوط والمشكلات التي يواجها في حياته اليومية، وتشير العديد من الدراسات إلى أنَّ الأنشطة الترفيهية-على اختلاف مشاربها-تساهم بشكل ملحوظ في تفريغ الانفعالات المكبوتة لدى الأفراد، وتعمل على تخفيف حدة القلق والتوتر النفسي، وتمنح الأفراد الشعور بالسعادة والرضا والبهجة. كذلك تعمل تلك الأنشطة على استعادة الطاقة المفقودة مع تسارع وتيرة الحياة. كل هذه العوامل مجتمعة تزيد من قدرة الفرد على التكيف مع الأوضاع المجتمعية. وبهذا يكون الترفيه وسيلةً فعّالةً في إنقاذ الأفراد-لاسيما الشباب-من ضغوط الحياة، وما ينتج عنها من توترات. يلعب الترفيه أيضا دورًا محوريًّا في تحقيق السعادة، عن طريق إضفاء المزيد من التوازن بين العمل والمسؤولية والروتين من جهة، والمغامرة والتسلية من جهة أخرى؛ مما ينعكس إيجابًا على جودة حياة الفرد وشعوره بالسعادة. بدون الترفيه، تكون الحياة أكثر رتابة ومللًا وروتينية.
- الوقاية من الأمراض، ودعم الصحة العامة للإنسان: للترفيه أثر إيجابي على حياة الشباب؛ حيث يعمل على إشباع نسبة كبيرة من احتياجاتهم الجسمانية عن طريق ممارسة الأنشطة الترفيهية، الرياضية منها على وجه الخصوص، بشكل علمي وفعال. إن ممارسة الرياضة البدنية بشكل منتظم من شأنها تنشيط الدورة الدموية، وإكساب الجسم الحد الأدنى من اللياقة البدنية، إضافة إلى اكتساب المهارات الحركية، القوام المعتدل، والمظهر الحسن. كما تؤدي ممارسة الرياضة إلى التخلص من السموم والنفايات الموجودة داخل جسم الإنسان، وتعمل على تحسين عمليتي الهضم والتنفس. وتساهم الرياضة في الحد من الضغوط والاضطرابات العصبية والنفسية، وتعمل على تحقيق الاستقرار العاطفي.
- تنمية الشخصية وتطوير الذات: يلعب الترفيه دورًا مهمّاً في تنمية الشخصية، ويعد عاملًا أساسيًّا في حدوث التغيير الإيجابي في حياة الإنسان؛ من خلال اكتساب المرء للعديد من المهارات والمعارف التي تتيحها له ممارسة الأنشطة الترفيهية المختلفة، ويساعد هذا الأمر الإنسانَ في التأقلم والتكيف مع مختلف التغيّرات الواقعة في الحياة المعاصرة. كذلك يعد الترفيه وسيلةً لاكتساب المركز والمكانة الاجتماعية، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، خاصة وأنَّ عموم الأنشطة الترفيهية تتم بشكل جماعي؛ مما يساعد الفرد على اكتساب الروح الجماعية، والتعاون، والانسجام، والقُدرة على التكيف مع الآخرين. تساهم الأنشطة الترفيهية أيضًا في اكتساب الفرد للعديد من السمات الخلقية والاجتماعية وتنميتها، مثل: تقوية العلاقات بين الأفراد، وبين الفرد والجماعة، واحترام الغير، والمودة، والصداقة، والأُخوة، والثقة بالآخرين، والولاء للمجتمع، وإنكار الذات، والتعاون، وحب العمل، وأداء الواجب، والتطوع للخدمات الاجتماعية. الترفيه في مرحلة الطفولة والشباب هو الوسيلة الأساسية للاتصال بالعالم واستكشافه وتحقيق النمو. لهذا يعد الترفيه نافذة الطفل وكذا الشاب على عوالم متنوعة، تشمل خبرات ومعارف جمة. وفي سياق متصل، لا يمكننا إغفال دور الترفيه في تنمية المواهب، والتهيئة للإبداع والابتكار. ولعل ممارسة الشباب لبعض الأنشطة الترفيهية قد تكون عاملًا محفزًا لتنمية مهنة المستقبل، من خلال تنمية مهاراته وقدراته التي قد تبدأ بهوايةٍ يُمارسها الفرد في حياته اليومية، ثم يُنميها ويُطورها؛ حتى تنتهي بمهنةٍ يحترفها في مستقبل حياته.
- الحدُّ من الجريمة والانحراف السلوكي: تساهم مشاركة الشباب والاطفال في الأنشطة الترفيهية البناءة في الحدِّ من الجريمة والانحراف السلوكي على نحو واسع، وفهي صمام أمان فعال في مجابهة الجنوح نحو الجريمة. فمن غير المرجَّح أن يشترك ممارسو الأنشطة الترفيهية من الشباب في مثل هذه الجرائم، خصوصًا في المجتمعات التي تتوافر فيها فرص الترفيه الوفيرة والجذابة. فالترفيه هو متنفس طبيعيّ لرغبات الشباب والأطفال، ولعل شهادات سلطات السجون في عدد من الدراسات خير مثال على أنَّ عدم كفاية فرص الترفيه تعد واحدةً من أسباب جنوح الشباب نحو ارتكاب الجريمة[7].
- تحقيق التضامن المجتمعي: تميل القوى في العصر الحديث إلى فصل الناس إلى مجموعات متمايزة ومعادية لبعضها البعض في كثير من الأحيان، وذلك على أساس الاختلافات في الأوضاع الاقتصادية، والمركز الاجتماعي، والعرق والعقيدة، والجنسية، ومستوى التعليم، والخلفية الثقافية. هذا الأمر من شأنه تعزيز الكره المتبادل في المجتمع. يتيح الترفيه في المقابل أرضية ومنصة مشتركة للتخفيف من حدة الاختلافات وإدارتها بشكل جيد. في هذا السياق، لا تقتصر مهمة الترفيه في حياة الشباب على ممارسة الألعاب والخلود إلى الدعة والتسلية، وإن كان ذلك يمثل جزءًا كبيرًا منها، إلا أنه قد يشتمل على القيام بالعديد من الأعمال الهادفة والبناءة؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون العمل التطوعي وسيلةَ ترفيهٍ هادفةً، وجادةً، ومفيدةً اجتماعيًا على حد سواء، ومن خلاله، يمكن للمرء أن يشبع حاجته، ويكشف عن موهبة يمكن أن يستفيد منها المجتمع.
- نشر الثقافة الديمقراطية: الديمقراطية والترفيه متشابهان في روحهما، ويميل كلٌّ منهما لتعزيز وتقوية الآخر، فتلتزم الديمقراطية بإعطاء كل فرد فرصة كاملة للنمو بشكل كامل وحر تمامًا مما يجعلها تتشابه إلى حد كبير مع الترفيه الذي يتيح للفرد ما يقوم به من أنشطة ترفيهية بشكل حر تمامًا دون إكراه؛ إذنْ تقدم الديمقراطية ومعها الترفيه فرصةً حقيقية للفرد للرضا الحقيقي عن الذات، والتعبير الإبداعي، وتطوير الصلاحيات، وهذا الأمر من ِشـأنه جعل الأفراد أكثر فاعلية وإيجابية.
- دعم العملية التعليمية: تتشابه أهداف وأساليب وبرامج التعليم والترفيه في أغلب الأحيان، على الرغم من كونها غير متطابقة، فتهتم العملية التعليمية ومعها الترفيه بتحقيق أقصى تنمية ممكنة للفرد، غير أن الترفيه يجنح لتحقيق رِضا فوري عن الذات، في مقابل التعليم الذي يهدف إلى تحقيق الرضا على المدى الطويل عبر سلسلة طويلة من الأهداف. أيضا يفتقر النشاط الترفيهي إلى عنصر الإكراه على عكس العملية التعليمية التي يتخللها بعض عناصر الإكراه؛ من أجل تحقيق الهدف المرجو. تهتم البرامج الترفيهية بتحقيق النمو التعليمي في كل تجربة ترفيهية، وفي المقابل تستعين العملية التعليمية بالعديد من الأساليب الترفيهية لحث الشباب على التعلم؛ ولذلك نجد أنَّ للترفيه دورًا متزايدًا في مناهج التعليم الرسمي، وفي البرامج الـ (لا صفية) للمؤسسة.
- تنمية الاقتصاد: أدرك قادة الأعمال والصناعة منذ فترة طويلة أنَّ الطريقة التي يقضي بها الموظفون ساعات فراغهم تؤثر بالضرورة على فعالياتهم في القيام بوظائفهم؛ ولهذا اهتمت الكثير من المؤسسات والشركات بدعم الأنشطة الترفيهية لموظفيها. كذلك اهتمت الدول بذلك وسعت للاستثمار في وتطوير المرافق الترفيهية؛ حتى يضمن هؤلاء عدم توقف مسيرة العمل نتيجة للضغط على الأفراد، كذلك فإنَّ صناعة الترفيه ضخمة ومتنامية؛ ولهذا قد تكون مصدرًا جيدًا لتوفير الوظائف التي تدعم الاقتصاد، وتوفر للشباب العمل اللائق.
تصنيف الأنشطة الترفيهية
وفقًا للأدبيات المتوفرة، توجد العديد من التصنيفات المتاحة للأنشطة الترفيهية، فيمكن على سبيل المثال تصنيف تلك الأنشطة وفقًا لمجال النشاط: الأنشطة البدنية، وتشمل ممارسة الرياضة، والتمارين البدنية، والتمارين، والمسيرات، والجمباز، والألعاب البهلوانية… وما إلى ذلك. الأنشطة العقلية والفكرية: وتشمل مجموعات المناقشة، وحلقات الدراسة، والمناقشات، والتلاوة، والقراءة، والكتابة، والرسم، والنمذجة، والشطرنج، وألعاب البطاقات… كذلك أنشطة الدفاع عن النفس والانضباط الذاتي، مثل: الكشافة، والمرشدات. الأنشطة الثقافية والاجتماعية: والتي تشمل الدراما والموسيقى والبرامج المتنوعة والرقص، وخدمة المجتمع، والإسعافات الأولية، والاحتفال الديني، والمهرجانات الاجتماعية والوطنية… وما إلى ذلك. هناك أيضًا الأنشطة الفنية والحرفية: التي تشمل الرسم، والطلاء، والنجارة، والنمذجة، والغزل والنسيج، والبستنة، وصنع الدمى، والتطريز، والأعمال الجلدية… وما إلى ذلك. وأيضًا: الأنشطة الخارجية، مثل: النزهات، والسياحة، ورؤية المعالم، والزيارات، ورحلات التخييم، والتنزه، وتسلق الجبال… وأخيرًا: الهوايات، والتي تشمل جمع الطوابع والصحف، التصوير الفوتوغرافي، جمع الصور، عمل الألبوم، النزهات، جمع العينات…[8]
بينما يرى “هندري” وآخرون أنَّ هنالك ثلاثة أنواع من الأنشطة الترفيهية، هي: الأنشطة المنظمة الرياضية، وغيرها من الأنشطة المماثلة، وأنشطة الاسترخاء، والتنشئة الاجتماعية مع الأصدقاء، والمرح التجاري، والذهاب إلى السينما أو المسرح. وفي المقابل، يقترح “دورتر” و “ماك هال” تقسيم الأنشطة الترفيهية إلى ثلاث فئات مختلفة، هي: الأنشطة الأكاديمية (المشاركة في النوادي الأكاديمية…)، والأنشطة غير الأكاديمية (الرياضية، والفنون…) وأنشطة أخرى[9].
بغض النظر عن تعدد التعريفات، يمكننا القول بأنَّ مجال الأنشطة الترفيهية ينطوي على مجموعة واسعة من الأنشطة التي يمكن للشباب الاستفادة منها في جميع الأوقات والمناسبات.
الخصائص الأساسية للترفيه
للأنشطة الترفيهية مجموعة أساسية من السمات التي لا غنى عنها؛ حتى يمكننا التمييز بين النشاط الترفيهي، وغيره من الأنشطة، وهي كالتالي:
- ينبغي القيام به خلال أوقات الفراغ، إذ لا يمكن للفرد مغادرة عمله لممارسة الأنشطة الترفيهية.
- ينبغي أن يكون النشاط الترفيهي الذي ينخرط فيه الشخص غير مملٍ.
- تتوافر فيه عنصر الرضا الفوري والملائم للشخص القائم بالنشاط.
- طَوْعي بمعنى أن يختارها الفرد بشكل حرّ، ولا يكون مُكرَهًا على القيام بها.
- بَنّاء وغير مضر عقليًّا، أو عاطفيًّا، أو اجتماعيًّا.
- مقبول اجتماعيًّا.
ضوابط الترفيه
على الرغم من أن أنشطة الترفيه لا تُعدُّ ولا تُحصى، إلا أنَّه توجد بعض الضوابط التي يجب أخذها بعين الاعتبار أثناء اختيار أحد أنشطة الترفيه، ومنها ما يلي:
- أن يكون مقتصرًا على الأعمال النافعة التي لا تلحق الأذى أو الضرر بالآخرين أو الذات، سواء أكان ماديًّا، أو معنويًّا، أو حسيًّا.
- ألا يكون على حساب الحاجات والقضايا الرئيسية للشباب؛ بحيث يؤثر بالسلب على دراستهم ومستقبلهم.
- عدم الإسراف في الترفيه مقارنة بباقي الأنشطة خصوصًا فيما يتعلق بالوقت والمال.
- أن يكون هادفًا يخدم الشباب والمجتمع في آنٍ واحد.
معوّقات الترفيه
يظن البعض أنّ ممارسة الأنشطة الترفيهية أمرٌ سهلُ المنال، إلا أنه ليس كذلك لدى الكثير من الشباب؛ فيواجه هؤلاء عددًا من المعوِّقات التي قد تتسبب في حرمانهم من الترفيه بوجه عام، أو تجبرهم على القيام بأنشطة ترفيهية معينة دون سواها سواء تلاءمت أم لم تتلاءم مع تفضيلاتهم واحتياجاتهم الأساسية. ويأتي على رأس تلك المعوِّقات اضطرار الشباب للعمل في ظل العوز والظروف الاجتماعية الصعبة؛ مما يؤدي لاستنزاف الوقت المخصص للراحة والترفيه خاصتهم. يضاف إلى هذا نقص المعلومات أو محدوديتها عن الأنشطة الترفيهية المتاحة، ويرتبط بهذا أيضًا محدودية وسائل الترفيه المتاحة في مناطق معينة في مقابل مناطق أخرى، مما يشكل عائقًا أمام الشباب في الاستمتاع بالترفيه. كما أن عدم القدرة على الحصول على وسائل النقل والمواصلات قد يؤدي لعزوف الشباب عن القيام بالأنشطة الترفيهية المختلفة. لا يمكننا أن نغفل أيضا أنه لغياب الأقران دوراً واضحًا في عدم قيام الشباب بالأنشطة الترفيهية المتاحة. أخيرا، قد تتطلب ممارسة الأنشطة الترفيهية بالضرورة حيازة بعض الأصول من قبل الشباب، أو من قبل عائلاتهم، مثل: امتلاك الموارد المالية، أو التعليمية، أو رأس المال الثقافي، وهو أمر غير متوفر لكثير من الشباب. لهذا تشير الكثير من الدراسات إلى دور البيئة المحيطة بالشباب والأطفال في تحديد كيفية قيام هؤلاء باستغلال أوقات فراعهم الفراغ. ولعل الأسرة هي العامل الأهم هنا؛ فعلى سبيل المثال تشير الدراسات إلى أنَّ الأطفال والمراهقين الذين كانوا نشيطين كأطفال وشباب هم أيضًا الأكثر نشاطًا كبالغين. فيعتمد اختيار الأنشطة التي يقوم بها الشباب في أوقات فراغهم بشكل كبير على ما يسمى بـ “الذاتية” (الوضع الاجتماعي للوالدين، التربية الشخصية، المهارات والعادات) والعوامل الموضوعية (التراث الثقافي لبيئة ضيقة وواسعة، والفرص المعروضة من الأنشطة الترفيهية). كذلك كي يكون الفرد على دراية بأهمية الأنشطة الترفيهية، لابد من وجود قدر جيد جدًّا من التعليم والوعي؛ حتى يكون لمثل هذه الأنشطة انعكاس حقيقي عليه. أذن، يعد غياب التعليم أحد أهم المعوِّقات التي تقف حائلًا بين الشباب والترفيه التنموي والمفيد[10].
توصيات للقائمين على الترفيه
بالنظر لما تم عرضه سابقًا من فوائد جمة للترفيه في تنمية المجتمعات وأفرادها وجعلها أكثر رفاهية وازدهارًا، لابد للقائمين على السياسات الترفيهية ومنفذيها من الاهتمام بعدد من الأمور التي من شأنها تعزيز الأثر الإيجابي للترفيه في المجتمع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- الاهتمام بتوزيع الفرص الترفيهية المتاحة بشكل عادل على المستوى الوطني والمحلي.
- وضع برامج ترفيهية مخصصة للطبقات الدنيا وأصحاب الأوضاع الاجتماعية الحرجة؛ حيث إنَّ غياب مثل هذه البرامج من شأنه أنْ يؤدي بهم إلى الانفجار، وخلق المزيد من المشكلات الاجتماعية وليس تقليلها.
- الحرص على توسيع نطاق الاختيار فيما يتعلق بالأنشطة الترفيهية المقدمة للجمهور؛ حتى نتمكن من الاستجابة الكاملة لتفضيلات الأفراد المختلفة.
- التوسع في نشر وتنفيذ برامج التوعية الخاصة بالأنشطة الترفيهية المختلفة، وكيفية الاستفادة منها خلال أوقات الفراغ؛ حتى نضمن وجود قدر كافٍ من المعلومات والمعارف حول الأنشطة الترفيهية المفيدة لدى الأفراد.
- تشجيع المعنيين وأصحاب المصلحة من المشاركة في اتخاذ القرارات، ووضع السياسات الخاصة بالترفيه على المستوى الوطني والمحلي.
- القيام بمحاولات جادة للتغلب على المعوّقات التي من شأنها حرمان جميع أفراد المجتمع من ممارسة الأنشطة الترفيهية.
- توفير ما يكفي من الموارد البشرية والمالية والمادية للترفيه، وتوزيع هذه الموارد في جميع أنحاء البلاد، وعبر المجتمعات المحتفلة.
- وضع سياسات ترفيهية واضحة، وأهداف واضحة؛ حتى نضمن عدم المبالغة في قيمة الترفيه، ومحاربة الاستغلال التجاري له.
- دعم الأنشطة الاجتماعية والثقافية، مثل: الاحتفالات المجتمعية، والثقافة الشعبية، والمهرجانات التي تركز على التعبير الفردي والجماعي والإبداع.
- تشجيع الجماعات والأفراد خصوصًا الشباب على تطوير أشكال جديدة من الأنشطة الترفيهية.
- تشجيع الأساليب التنموية بدلاً من أساليب “حل المشكلات” عند تخطيط وتنفيذ الأنشطة الترفيهية.
- مراقبة تطوير التعليم الترفيهي والتدريب؛ لضمان توافر المهارات القيادية والمهنية المطلوبة في كلٍّ من القطاعات المساهمة في العملية الترفيهية، وضخ القيادات الشابة داخل المنظومة.
- إتاحة المرافق الترفيهية للجميع خصوصًا الشباب.
الترفيه في المملكة
- نصت الرؤية الوطنية للمملكة (2030) في مرتكزها الأول ” المجتمع الحيوي” في محور” بيئة عامرة” على أنَّ سعادة المواطنين والمقيمين تأتي على رأس أولويات الدولة، وسعادة هؤلاء لا تتم دون اكتمال صحتهم البدنية والنفسية والاجتماعية، وهنا تكمن أهمية رؤيتنا في بناء مجتمع ينعم أفراده بنمط حياة صحّي، ومحيط يتيح العيش في بيئة إيجابية وجاذبة. يُفهم من هذا النص اهتمام الدولة الأصيل بتحقيق السعادة، ورفع جودة الحياة لدى أفراد المجتمع السعودي من خلال الترفيه، وغيره من التدخلات التنموية المختلفة. غير أنه وعلى صعيد الممارسة الفعلية، كانت الدولة قد أقرت بأن المتاح من الفرص والأنشطة الترفيهية لا يرتقي لتطلعات المواطنين والمقيمين، ولا يتلاءم مع الوضع الاقتصادي المأمول تحقيقه؛ وعليه عمدت إلى دعم جهود المناطق والمحافظات والقطاعين غير الربحي والخاص في إقامة المهرجانات والفعاليات، وتفعيل دور الصناديق الحكومية في المساهمة في تأسيس المراكز الترفيهية وتطويرها، كذلك اهتمت الرؤية (2030) بإطلاق البرنامج الوطني «داعم» للترفيه والرياضة، وتأسيس وتطوير المراكز الترفيهية، وعقد شراكات عالمية في قطاع الترفيه، وتهدف الرؤية من ذلك الوصول إلى إيجاد (450) ناديَ هواة بحلول عام (2021)، وتخصيص الأراضي لإقامة المتاحف والمسارح، ودعم الموهوبين من الكُتّاب والمُخرِجين والفنانين، إضافة إلى تخصيص مساحات كبيرة من الشواطئ للمشروعات السياحية[11].
- ولأن الشباب هم عماد المجتمع السعودي الحالي والنسبة الأكبر من السكان، يمكننا القول إنهم المستفيدون الرئيسيون من تلك الخدمات الترفيهية والمخاطبين ببرامجها وأنشطتها. كما تعمل الحكومة بشكل كبير في تشجيع الشباب للإقبال على تلك البرامج، واستغلال طاقاتهم ومواهبهم فيها؛ لأنها على دراية ووعي كامل بأنَّ الفراغ وعدم وجود أماكن وأنشطة مناسبة لاحتواء الشباب قد يؤديان تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، والتي تعمل الحكومة على تحجيمها.
- لا تزال تجربة المملكة حديثة-لكنها واعدة-في هذا السياق مقارنة بالبلدان المتقدمة التي تولي للترفيه والاستمتاع بوقت الفراغ أهميةً كبرى، وتضع له سياسات متخصصة؛ لضمان تحقيق رفاهية المواطن، وتحسين جودة حياته. وما زال في المملكة نقص في الاستخدام الفعال لوقت الفراغ من حيث الممارسة، وأسلوب الحياة، والوعي بهما؛ لذلك يجب إجراء المزيد من الدراسات المتخصصة حول كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من الترفيه بما يؤثر إيجابًا على المجتمع.
نماذج للبرامج الترفيهية المتميزة
- برنامج “تجارب السعودية” الذي يهدف لأخذ زوار المملكة في رحلة استكشافية في (13) منطقة من مناطق المملكة، وذلك لإبراز الموروث السعودي بكافة صوره، وصنع تجربة ترفيهية متكاملة على أرض المملكة، ويضم البرنامج (70) برنامجًا فرعيًّا متخصصًا ومتكاملًا بالأنشطة التي تتوافق مع مختلف الأذواق والأعمار، منها: ورش العمل الفنية، والثقافية، والمغامرات، والطبيعة، والأنشطة الرياضية، والزيارات التاريخية، بالإضافة إلى الفعاليات المتنوعة[12].
- برنامج “لعب” الخاص بمعهد اسبن الذي يهدف إلى تقديم أفكار وأدوات وأنشطة للآباء والمدربين للإبقاء على الأطفال والشباب نشيطين وفاعلين ومحافظين على الرياضة خصوصا في أوقات الازمات مثل انتشار فيروس كورونا. على سبيل المثال، يقترح المعهد على الآباء أو الممارسين مشاهدة أفلام رياضية مع الشباب / الأطفال وبعدها يجتمع هؤلاء لمناقشة الدروس المستفادة من الفيلم[13]. يقدم معهد اسبن العديد من البرامج والأنشطة الموجهة لدعم الشباب والأطفال في مجالات الترفيه المختلفة. كذلك يقدم برامج للعاملين مع الشباب والآباء والمتخصصين لبناء قدراتهم ودعم أنشطتهم الموجهة للشباب والأطفال.
- خدمات البث العام Public Broadcasting Services (PBS) التي تعمل على توفير الألعاب التعليمية وأنشطة بناء المهارات للأطفال والشباب والعائلات وتعمل على تقريب وجهات النظر بينهم وربطهم ببعضهم البعض[14]. خدمات البث العام هي منظمة عضوية تعمل، بالشراكة مه محطاتها الأعضاء على خدمة الجمهور الأمريكي خصوصا الشباب والأطفال وتقدم مجموعة واسعة من البرامج والخدمات عالية الجودة باستخدام وسائل الاعلام لتثقيف الأفراد وترفيههم. تمكن خدمات البث العام الأفراد من تحقيق إمكاناتهم وتقوية التماسك الاجتماعي والديمقراطية والثقافة الامريكية. تقدم سلسلة من البرامج الموجهة للأطفال والشباب وكذلك البرامج الإخبارية غير التجارية التي تبقي المواطنين على اطلاع على الأحداث والثقافات العالمية والبرامج التي تعرض أمريكا لعالم الموسيقى والمسرح والرقص والفن.
قائمة المراجع
- Aafid Gulam, Recreation- Need and importance in modern society, International Journal of Physiology, Nutrition and Physical E education 2016; 1(2): 157-160.
- Nurul Hidayati Hamid, THE EFFECT OF LEISURE TIME ACTIVITIES ON LIFE QUALITY OF YOUTH IN MALAYSIA, International Conference on Education and Regional Development 2016 (ICERD 2016) “Cross-Cultural Education for Sustainable Regional Development”, Bandung, Indonesia, 31 October & 1 November 2016.
- Grant Cushman, RECREATION, LEISURE AND SOCIAL POLICY, Department of Recreation & Leisure Studies, Victoria University, Wellington, New Zealand, 1990.
- Yener Aksoy, Effects of Recreational Activity on Leisure Barriers between Students, Asian Journal of Education and Training, Vol. 5, No. 4, 569-574, 2019.
- Lea Au Huber, Leisure Activities of Healthy Children and Adolescents, International Journal of Environmental Research and Public Health, June 2019.
- Siniša Opić, Leisure Time of Young Due to Some Socio-demographic Characteristics, Procedia – Social and Behavioral Sciences 159 (2014) 546 – 551.
- UNICEF, The right to free time in childhood and adolescence, challenges Newsletter on Childhood and adolescents, number 19, August 2016.
- Chieh-Lu Li, Recreation benefit, quality of life and life satisfaction, Sports & Exercise Research, Vol. 14, No. 4, 407-418, December, 2012.
- Veal, Definitions of Leisure and Recreation, Australian Journal of Leisure and Recreation, Vol. 2, No. 4, 1992, pp. 44-48, 52.
- Andrea Vest Ettekal, Positive Youth Development Through Leisure: Confronting the COVID-19 Pandemic, Journal of Youth Development, Vol. 15 Issue 2 DOI 10.5195/jyd.2020.962, ISSN 2325-4017.
- https://pbsabout.bento-live.pbs.org/about/about-pbs/mission-values/
- صالح بن علي، الترفيه والترويح في حياة الشباب المسلم، المفهوم والتطبيق، تاريخ الاطلاع 25/04/2021، يمكن الاطلاع من خلال: https://alwegaisi.com/alwegaisi/handle/123456789/203;jsessionid=E1B9ED17C47B75E0EE98F51598CC803E
- حديث الشباب حول الترفيه: الترفيه حاجة ضرورية للشباب وليس ترفاً مجتمعياً، تاريخ الاطلاع 25/04/2021، يمكن الاطلاع عليه من خلال:
https://www.al-jazirah.com/2016/20160710/wz1.htm
- الترفيه” تطلق “تجارب السعودية” للمرة الأولى في اليوم الوطني للمملكة، تاريخ الاطلاع 25/04/2021، يمكن الاطلاع عليه من خلال:
https://al-ain.com/article/entertainment-saudi-experiences-national-kingdom
[1] صالح بن علي، الترفيه والترويح في حياة الشباب المسلم، المفهوم والتطبيق، تاريخ الاطلاع 25/04/2021، يمكن الاطلاع من خلال: https://alwegaisi.com/alwegaisi/handle/123456789/203;jsessionid=E1B9ED17C47B75E0EE98F51598CC803E
[2] Nurul Hidayati Hamid, THE EFFECT OF LEISURE TIME ACTIVITIES ON LIFE QUALITY OF YOUTH IN MALAYSIA, International Conference on Education and Regional Development 2016 (ICERD 2016) “Cross-Cultural Education for Sustainable Regional Development”, Bandung, Indonesia, 31 October & 1 November 2016.
[3] UNICEF, The right to free time in childhood and adolescence, challenges Newsletter on Childhood and adolescents, number 19, August 2016.
[4] Ibid.
[5] J. Veal, Definitions of Leisure and Recreation, Australian Journal of Leisure and Recreation, Vol. 2, No. 4, 1992, pp. 44-48, 52.
[6] Lea Au Huber, Leisure Activities of Healthy Children and Adolescents, International Journal of Environmental Research and Public Health, June 2019.
[7] صالح بن علي، الترفيه والترويح في حياة الشباب المسلم، المفهوم والتطبيق، تاريخ الاطلاع 25/04/2021، يمكن الاطلاع من خلال: https://alwegaisi.com/alwegaisi/handle/123456789/203;jsessionid=E1B9ED17C47B75E0EE98F51598CC803E
[8] Aafid Gulam, Recreation- Need and importance in modern society, International Journal of Physiology, Nutrition and Physical Education 2016; 1(2): 157-160.
[9] Siniša Opić, Leisure Time of Young Due to Some Socio-demographic Characteristics, Procedia – Social and Behavioural Sciences 159 (2014) 546 – 551.
[10] Chieh-Lu Li, Recreation benefit, quality of life and life satisfaction, Sports & Exercise Research, Vol. 14, No. 4, 407-418, December, 2012.
[11] حديث الشباب حول الترفيه: الترفيه حاجة ضرورية للشباب وليس ترفاً مجتمعياً، تاريخ الاطلاع 25/04/2021، يمكن الاطلاع عليه من خلال:
https://www.al-jazirah.com/2016/20160710/wz1.htm
[12] الترفيه” تطلق “تجارب السعودية” للمرة الأولى في اليوم الوطني للمملكة، تاريخ الاطلاع 25/04/2021، يمكن الاطلاع عليه من خلال:
https://al-ain.com/article/entertainment-saudi-experiences-national-kingdom
[13]https://static1.squarespace.com/static/524977c2e4b031f96a6912ce/t/5efb587c2d68f51c5711410f/1593530492977/COVID+OST.pdf
[14] Ibid.
4.8 (13) د. أحمد الحراملة استاذ مشارك في علم النفس الرياضي رئيس […]
5 (1) مروان عبد الحميد الخريسات مستشار وخبير في التخطيط الاستراتيجي والتنمية […]
5 (17) محمد العطاس مقدمة: أثّرت التقنيات الرقمية على […]
5 (3) إعداد: د. محمود ممدوح محمد مرزوق تحرير: قسم المحتوى […]