مجموعة من الباحثين
خرج مفهوم التنمية الشبابية الإيجابية من رحم عددٍ من النظريات التنموية التي اهتمت بالتركيز على نقاط القوى لدى الشباب؛ كاقتراب لتنميتهم، وكبح جماح خطرهم في آنٍ واحد. تدرك هذه النظريات الخصائص النفسية والاجتماعية والجسدية المتميزة لمرحلة الشباب، وتحاول أنْ تستغلها قدر الإمكان لتحقيق تنمية الشباب وتأكيد ذواتهم، وتقوم فلسفتها على أنه: “إذا كانت للشباب علاقات جيدة مع مؤسسات عالمهم الاجتماعي، فسيكونون في طريقهم الصحيح لمستقبل مفعم بالأمل، يتميز بمساهمات إيجابية لتنمية النفس، والأسرة، والمجتمع” تهتم التنمية الشبابية الإيجابية بالشباب دون سواهم؛ لأنها تدرك أنَّ الشباب هم عصب المجتمعات، وأنَّ المجتمعات المتقدمة هي المجتمعات التي تؤمن بدور الشباب، وتشركه في الحياة الاجتماعية والتنفيذية بشكل فعّال.
التنمية الإيجابية الشبابية ((PYD
يعرفLearning Youth Power) ) التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “التنمية الإيجابية للشباب” على أنها: ” كل ما يعمل على إشراك الشباب مع عائلاتهم و/أو مجتمعاتهم و/أو حكوماتهم حتى يتم تمكين الشباب للوصول إلى إمكاناتهم الكاملة”؛ وعليه، تقوم التنمية الإيجابية الشبابية كمنهج على تنمية المهارات، الأصول والكفاءات لدى الشباب، وكذا تعزيز علاقاتهم الصحية، وتقوية البيئة وأنظمة التحويل الخاصة بهم. يرى (ريتشارد ليرنر) رائد التنمية الشبابية الإيجابية أنها عملية متواصلة لتعزيز النتائج الإيجابية مما يتناقض بشكل كبير مع المنظورات التقليدية في التعامل مع الشباب، والتي ترتكز على الأساليب العقابية والسلبية في التفاعل معهم. من هذا المبدأ، تبرز التنمية الشبابية الإيجابية كفلسفة ومنهج يهدف إلى بناء كفاءات ومهارات وقدرات الشباب التي يحتاجونها للنمو والازدهار طوال الحياة. كما تتعامل معهم باعتبارهم أصول ثمينة يجب رعايتها وتطويرها بدلًا من النظر إليها كمشكلات تستوجب الحل؛ ولهذا فهي تقول بأهمية بوجود علاقات منفعة متبادلة بين الشباب وأسرهم، ومجموعات الأقران، والمدرسة، ومكان العمل، والمجتمع، من أجل توفير فرص للشباب لتعزيز معارفهم، واهتماماتهم، ومهاراتهم وقدراتهم. إجمالًا: يعد الشباب مركز اهتمام فلسفة التنمية الشبابية الإيجابية وعمادها الأساسي، وبما يشمله دور الأسرة في إكساب هؤلاء المهارات والمعارف والمعتقدات والسلوكيات التي تكون معهم طول حياتهم، فضلًا عن دورها في توفير أشكال الدعم والرعاية المختلفة.
لماذا تهتم التنمية الشبابية الإيجابية بالشباب؟
هناك الكثير من الأسباب التي تجعل من الشباب محل اهتمام كبير لهذه الفلسفة/ النهج. يمكن حصر هذه الأسباب فيما يلي:
- الشباب هم الأكثر طموحًا في المجتمع، وهذا يعني أنَّ عملية التغيير والتقدم لديهم لا تقف عند حدود معينة، والعمل الشبابي أو المنظمة الشبابية أو أي مجموعة اجتماعية تسعى للتغيير الاجتماعي يجب أن تضع في سلم أولوياتها استقطاب طاقات الشباب وتوظيف هذه الطاقات باتجاه أهدافها المحددة.
- الشباب الأكثر تقبلًا للتغيير. هذه الحقيقة تعتبر ميزة رئيسية في نظريات التنمية؛ فالشباب عالم متحرك ومتغير ويحمل دائمًا الجديد؛ إذ لا يقوى الفكر المحافظ على مسايرة الجديد، بل يتعامل معه وفق منظوره المحافظ؛ مما يؤدي لإخفاقات متعددة، بينما الشباب وبحكم هذه الخاصية، فإنَّ استعدادهم الموضوعي نحو التغيير، وتقبل الجديد والتعامل معه بروح خلاقة ومبدعة، سيضمن المواكبة الحثيثة للمتغيرات، والتكيف معها بشكل سلس دونما إرباك.
- التمتع بالحماس والحيوية فكرًا وحركة، وبما يشكل طاقة جبارة نحو التقدم؛ فالشباب المتقد حماسة وحيوية في تفاعله مع معطيات التنمية ومتغيراتها ومع معطيات المجتمع ومتطلباته، هو الضمانة للتقدم بثبات، بينما الحركات التنموية التي لا تحظى بهذه الطاقة الخلاقة، فإنها مهددة بالانهيار والموت، أو على أقل تقدير التقوقع في ذات المكان.
- العطاء دون حدود حين يكون مقتنعًا وواعيًا لما يقوم به؛ يرتبط بهذا تحقق اشتراطين أساسيين: الاشتراط الأول، الاقتناع بمعنى احترام العقل والتعامل مع الشباب بمفهوم كياني وليس مجرد أدوات تنفيذ. والاشتراط الثاني، إدراك لما يقوم به الشباب، أي الإلمام بالأهداف والاقتناع بالوسائل والطرق الموصلة إلى تحقيق الهدف. وفي حال تحقق هذين الاشتراطين الضروريين، فإنَّ عطاء الشباب سيكون بدون حدود، وسيدفع بمسارات العمل بكل إخلاص وتفانٍ.
- الشباب قوة اجتماعية هامة بصفته قطاعًا اجتماعيًّا رئيسيًّا في المجتمع، وكسب هذا القطاع من قبل صانعي القرار والتنمويين يعني كسب معركة التغيير.
- الشباب قوة اقتصادية جبارة؛ فالعمال الشباب هم الذين ينتجون بسواعدهم والشباب المتعلم بجهدهم الذهني ينتجون ما يحتاجه المجتمع، وهم الذين يبنون صرح الوطن ويضمنون منعته وقوته الاقتصادية، ودور الشباب في التنمية الشاملة، دور أساسي ومحوري. إنَّ التقدم الاقتصادي مستحيلٌ دون تقدم علمي، وعقول الشباب النيرة والمستنيرة هي التي توفر القاعدة العلمية التي تضمن النجاح والتقدم في الجهد الاقتصادي وفي الجهد التنموي أيضًا.
- الشباب عنوان للقوة والفتوة، هاتان الميزتان هما من المتطلبات الرئيسية للعمل التنموي؛ فالمؤسسات التي لا تضم في صفوفها الشباب، ولا تتجدد عضويتها بعناصر شابة ودماء جديدة، ستتحول مع الوقت إلى كيانات مترهلة وضعيفة كمعلم من معالم الشيخوخة، بينما المؤسسات المتجددة بدماء الشباب في كل هيئاتها ومستوياتها القيادية والكادرية، ستحافظ على شبابها المتجدد.
المقولات الرئيسية للتنمية الشبابية الإيجابية
يقوم منهج التنمية الشبابية الإيجابية على عدد (40) أربعين من المهارات والمعارف والسلوكيات التي لابد وأنْ تتوفر خلال عملية تنمية وتطوير الشباب لضمان تنميتهم على النحو السليم، وتشمل هذه الافتراضات:
- الأصول الخارجية، وتشمل:
– الدعم: ويعني إحاطة الشباب بالرعاية من قبل الأفراد المحيطين بهم، ومن أشكال هذا الدعم:
1 -دعم العائلة.
2 -التواصل العائلي الإيجابي.
3 -العلاقات مع الراشدين الآخرين.
4 -حي سكني محب ومتعاطف.
5 -مناخ مدرسي محب ومتعاطف.
6 -مشاركة الوالدين في التعليم.
– التمكين: أي شعور الشباب بالتقدير والاحترام داخل مجتمعاتهم الصغيرة والكبيرة، ويشمل:
7 -تثمين المجتمع للشباب.
8 -الشباب بوصفهم موارد.
9 -تقديم الخدمات للآخرين.
10 -أنْ يشعر الشاب بالأمان في المنزل، وفي المدرسة، وفي الحي السكني.
– الحدود والتوقعات: أي وجود قواعد واضحة للتعامل مع الآخرين، وتشمل:
11 -حدود العائلة تضع العائلة قواعدَ وتحدد عقوبات واضحةً، وتراقب أماكن وجود الشاب.
12 -حدود المدرسة تضع المدرسة قواعدَ وتحدد عقوبات واضحة.
13 -حدود الحي السكني يكون الجيران مسؤولين عن مراقبة سلوك الشاب.
14 -القدوة يكون الوالدان والراشدون الآخرون قدوةً حسنة للسلوك الإيجابي والمسؤول.
15 -التأثير الإيجابي للأقران؛ يشكّل الأصدقاء المقربون من الشباب نموذجًا للسلوك المسؤول.
16 -التوقعات المرتفعة؛ تشجيع الأب والأم والمعلّمين للشباب على تقديم أفضل ما لديهم.
– الاستخدام البناء للوقت؛ أي يشغل الشباب أوقاتهم بما يفيد من تطوير للمهارات والخبرات، ويشمل:
17 -النشاطات الإبداعية؛ حيث يقضي الشاب ثلاث ساعات أو أكثر أسبوعيًّا في دروس أو تمارين الموسيقى والمسرح وغيرها من الفنون.
18 -برامج الشباب؛ يقضي الشاب ثلاث ساعات أو أكثر أسبوعيًّا في الرياضة، أو النوادي، أو المنظمات الشبابية في المدرسة، أو في المجتمع أو في كليهما.
19 -المؤسسة الدينية؛ يقضي الشاب ساعةً أو أكثر أسبوعيًّا في نشاطات بالمؤسسات الدينية.
20 -الوقت في المنزل؛ يقضي الشاب ليلتين أو أقل أسبوعيًّا خارج المنزل مع أصدقائه بدون نشاط محدد يفعلونه.
2 –والأصول الداخلية:
– الالتزام بالتعلُّم؛ ويعني: إيمان الشباب بما لديهم من قدرات، ويشمل:
21 -الدافعية للإنجاز؛ يتم تشجيع الشاب على أن يكون مجتهدًا في المدرسة.
22 -المشاركة في المدرسة؛ يشارك الشاب بفاعلية في عملية التعلُّم.
23 -الواجبات المنزلية؛ يحتاج الشاب أنْ يقضي ساعةً واحدةً على الأقل في إنجاز الواجبات المنزلية في أيام ارتياد المدرسة.
24 -الارتباط بالمدرسة؛ يهتم الشاب بمدرسته.
25 -القراءة من أجل المتعة؛ يقرأ الشاب بهدف المتعة لثلاث ساعات أو أكثر أسبوعيًّا.
– القيم الإيجابية؛ أي تعزيز القيم والمبادئ الصحيحة التي تساعدهم على اتخاذ القرارات الحياتية بشكل سليم.
26 – الرعاية؛ يولي الشاب أهميةً كبيرةً لمساعدة الآخرين.
27 – المساواة؛ والعدالة الاجتماعية؛ يولي الشاب أهميةً كبيرةً لتعزيز المساواة والحد من الجوع والفقر.
28 –النزاهة؛ يتصرف الشاب بناءً على قناعاته، ويدافع عن معتقداته.
29 –الصدق؛ يقول الشاب الحقيقة، حتى وإن كانت تبعاتها صعبة.
30 –المسؤولية؛ يقبل الشاب مسؤولياته الشخصية ويتحملها.
31 -ضبط النفس؛ يؤمن الشاب بأهمية عدم الانخراط في نشاطات جنسية، أو تعاطي الكحول والمخدرات.
- الكفاءات الاجتماعية؛ أي: اكتساب الشباب للمهارات اللازمة للتعامل مع الآخرين بشكل فعال، وتشمل:
32 -التخطيط واتخاذ القرارات؛ يعرف الشاب كيف يخطط للمستقبل، وينتقي خياراته.
33 -الكفاءة التفاعلية؛ أن يتمكن الشباب بالإلمام بمهارات التعاطف، والإحساس بالآخرين، وعقد الصداقات.
34 -الكفاءة الثقافية؛ أن يكون الشاب على معرفة بأناس من مختلف الخلفيات الثقافية والعرقية والإثنية، ولا يجد صعوبات في التعامل معهم.
35 -مهارات المقاومة؛ أن يستطيع الشاب مقاومة الضغط السلبي من الأقران والمواقف الخطيرة.
36 -الحل السلمي للنزاعات؛ أن يسعى الشاب إلى حل النزاعات بعيدًا عن العنف.
- – الهوية الإيجابية، أي أن يكون لدى الشباب شعور إيجابي بقدرتهم على السيطرة المهيمنة على ما يحيط بهم وإيمانهم بذواتهم، يشمل ذلك:
37 -القوة الشخصية؛ أن يشعر الشاب بأنه مسيطر على الأمور التي تحصل له.
38 -تقدير الذات؛ يقول الشاب إنه يتمتع بشعور كبير بتقدير ذاته.
39 -الإحساس بالمعنى؛ يقول الشاب إنّ حياته لها مغزىً ومعنىً.
40 -النظرة الإيجابية للمستقبل الشخصي؛ حيث يشعر الشباب بالتفاؤل حيال مستقبلهم الشخصي.
إضافة إلى ما سبق، أقامت (كارين بيتمان) وهي إحدى رائدات العمل الشبابي، نموذجًا مكونًا من (5) خمسة سمات رئيسية للبرامج الموجهة للشباب، والتي لابد وأن يتضمنها أي برنامج هادف إلى تحقيق التنمية الشبابية الإيجابية، هذا النموذج معروف بنموذج ب (5 C’s) ويتضمن:
1 . الثقة (Confidence) أي أن يتمكن الشباب من النظر إلى أنفسهم وأفكارهم بطريقة إيجابية.
2 . الشخصية (Character) أيْ أن يعرف الشاب أهمية كونه مستقلًا ومسؤولًا عن سلوكياته والتزاماته تجاه الآخرين وتجاه نفسه، وأن يكون متصلًا بجذوره الثقافية.
3 . الكفايات (Competence) أي قدرة الشباب على تطوير مهاراتهم في مجالات مختلفة لاكتساب السلوك الإيجابي وتطبيقه في حياتهم.
4 . الرعاية (Caring) أي: إمكانية إكساب الشباب الشعور بالتعاطف مع الآخرين.
5 . التواصل (Connection) أي: أن يشعر الشباب بالأمان والقدرة على إيصال وجهات نظرهم كما أرادوها.
في عام (2004م)، أضاف (لير نر) السمة السادسة وهي المساهمة، والتي تعني تمكن الشباب من لعب أدوار قوية داخل مجتمعاتهم لتحقيق التغيير الإيجابي.
بالنظر لما سبق من أصول وسمات ومبادئ، يمكننا القول: إنَّ الأسرة هي واحدة من أهم الركائز التي تنبني عليها فلسفة التنمية الشبابية الإيجابية، فالأسرة هي فاعل رئيسي في عمليات بناء الثقة والشخصية، وهي أهم مقدم للرعاية، فضلًا عن كونها أهم مطور للكفايات وآليات التواصل الفعال لدى الشباب؛ هذا الأمر يرتبط بالضرورة بكون الأسرة أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية وأولها من حيث احتكاك الشباب بالعالم من حولهم. وفقًا للأدبيات المتخصصة، هناك خمسة أبعاد رئيسية يتجلى فيهم دور الأسرة في التنمية الشبابية الإيجابية، حيث تغطي تلك الأبعاد كافة ما جاء في الأصول الأربعين والسمات الستة. هذه الأبعاد هي: الرعاية، وتنمية وتطوير الذات، والدعم، وتقاسم السلطة، وتوسع الإمكانيات. يهتم بعد الرعاية بإحساس الشباب بأهميتهم وتمحورهم في هذه الأسرة؛ حيث يتهم ذوي الشباب بالإنصات لهم، وإشعارهم بالدفء الأسري والتشجيع الدائم. أما بعد تنمية الذات، فيقوم على فكرة توقع الأفضل من الشباب، وبث روح الحرية المسؤولة فيهم ومناقشتهم في أي إخفاق يحدث؛ حتى يتعلم هؤلاء من هذا الإخفاق بحيث لا يتكرر مرة أخرى. يأتي بعد الدعم، وهو مكون مهم يرتبط بتمكين من اتخاذ القرارات والدفاع عنها وتوضيح القيود التي تتعلق بكافة القرارات الحياتية. يتعلق البعد الرابع بتقاسم السلطة، ويتمحور حول احترام الشباب وشمولهم في كافة الخطوات والأفكار الخاصة بالأسرة، فلا تتخذ أي خطوات لها علاقة بهم دون الرجوع إليهم؛ مما يعزز روح التعاون بين الآباء والأبناء ويعطي الأبناء شعورًا حقيقيًّا بالقيادة. وأخيرًا، يرتبط البعد الأخير بتوسيع الإمكانيات، حيث يهتم هذا الجانب بإلهام الشباب في خطواتهم المستقبلية، وتحقيق أفضل تواصل معهم لإكسابهم الخبرات اللازمة التي تعزز مداركهم وآفاقهم، ومثل هذه الأبعاد والأصول والسمات، لابد وأنْ تنعكس بالضرورة على التحركات التي تتخذها الأسر باتجاه شبابهم، فلابد لها من التالي:
- القيام بأنشطة وتدخلات تعاونية تربط عمل الشباب وذويهم معًا قبل أنْ تكون موجهة للشباب: يجب على الآباء الحرص على أنْ تكون تدخلاتهم غير مهمشة، وتحترم خبرات ومهارات الشباب التي اكتسبها بوعي أو بدون وعي خلال عمليات التنشئة التي مر بها داخل الأسرة وخارجها. لا يجب أن تكون التدخلات قائمة على فكرة الطاعة العمياء أو الأمر المباشر، وإنما تكون قائمة على الاحترام المتبادل، لاسيما فيما يتعلق بآراء الشباب ومدركاتهم، وأن يكون ميزان علاقة الآباء والأبناء متوازنًا، وإن تمتع الآباء ببعض المزايا النسبية نتيجة لموقعهم في الأسرة. تفترض التنمية الإيجابية والتربية الإيجابية عدم استغلال الآباء والأمهات لموقعهم الأسري لإملاء أفكارهم ومعتقداتهم على أبنائهم من الشباب.
- السعي الدائم لتعزيز الدعم والتواصل في علاقات الشباب بعضهم البعض وفي العلاقات بينهم وبين الكبار. إنَّ الشباب بالمشاركة مع الكبار يلعبون دورًا هامًا كأطراف أساسية في كافة الجهود لدفع التنمية الإيجابية للشباب وللمجتمعات. فالمجتمع يشبه طائرًا بجناحين، جناح يمثله الشباب؛ لما لهم من قوة وطموح، وجناح يمثله الكبار؛ لما لهم من الخبرات. ولا يمكن لطائر أن يسمو ويرتفع دون توازن بين جناحيه، وإعمالًا لهذا المبدأ؛ تهتم التنمية الإيجابية بدور الأسرة، وتعطي لها أهمية كبيرة في إطار فلسفتها، فهي حجر الزاوية، والركيزة الأولى للتنمية، حيث وصفها خادم الحرمين ب “سنام التنمية”.
- تقديم دعم كبير لعملية التعلم من خلال الأسرة؛ حيث تشمل بناء المهارات والمعرفة، تطوير السلوك الإيجابي والتشجيع على السلوكيات الصحية.
- استهداف جميع الشباب وأسرهم، فمن أهم مزايا هذا نهج “التنمية الإيجابية” هو عدم ارتباطه بفئة بعينها، مثل: المهمشين، أو الأكثر عرضة للخطر، فالمنهج مبني على تشجع التطور لأقصى مقدرات الأسرة.
هل هناك تعارض بين مفهوم الأسرة بشكلها التقليدي، والتنمية الشبابية الإيجابية؟
تعد عملية التنشئة الاجتماعية عملية طويلة، بطيئة ومعقدة، تسعى من خلالها الأسر إلى إشباع حاجات الطفل، ومن بعده حاجات الشاب الغريزية لتحويله من كائن بيولوجي إلى شخص اجتماعي مندمج مع محيطه الاجتماعي. فالتربية (وأحيانًا يتم استخدام مصطلح التنشئة كمرادف لها) كما يراها (إيميل دور كايم) هي ذلك الجهد المتواصل الذي يكتسب الطفل/ الشاب من خلاله ألوانًا من الفكر والعاطفة والسلوك التي لا يمكنه الوصول إليها لو تُرك وحده. والتربية/ التنشئة الاجتماعية ليست عشوائية عفوية، إنما هي عملية مقصودة ومعيارية، تساعد الفرد على فهم ثقافة مجتمعه وتقبلها والانخراط فيها، لضمان استمرارية التركيب الاجتماعي. في هذا السياق، تتمثل الوظائف التربوية للأسرة في شقين أساسيين، هما: كونها الإطار الثقافي والأداة الرئيسية لنقل الثقافة إلى الطفل، ووسيلة لاختيار ما هو أساسي وهام من البيئة الثقافية، ثم بتفسيره وتقويمه وإصدار الأحكام عليه؛ وبمعنى آخر، فإن الطفل ينظر إلى ثقافة مجتمعه من وجهة نظر أسرته.
إذن، يمكننا القول إنه وبالرجوع إلى الأدبيات المتخصصة، لا يوجد تعارض كبير بين مفهوم الأسرة بشكلها التقليدي والتنمية الشبابية الإيجابية، بل على العكس، تولي التنمية الشبابية الإيجابية للأسرة اهتمامًا كبيرًا وتجعلها ركيزة أساسية لأغلب تدخلاتها. تهتم التنمية الشبابية الإيجابية في هذا السياق كثيرًا بسمات الأسر المختلفة في المجتمع، وتربط بين تلك السمات وما يمكن أن يكون عليه شبابها في المستقبل فيما يتعلق بسلوكهم وممارساتهم. تنقسم الأسر في هذا الشأن إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
النوع الأول: الأسر المنغلقة، وهي التي لا تحبذ التفكير والتجارِب والاختلاط، تسير على قواعد متوارثة، يصعب على الشباب في هذه الأسر التعبير عن آرائهم، أو القيام بما يخالف تقاليد الأسرة، كما يصعب تنفيذ مبادئ وتدخلات التنمية الشبابية الإيجابية داخل تلك الأسر؛ مما يجعلها غير محبذة لدى العاملين في المجال.
النوع الثاني: الأسر الديمقراطية، وهي التي ترحب بالمبادرات الجديدة، وتعطي مساحة لأبنائها في التفكير والتعامل والكثير من الحرية، هذا هو النوع المحبذ للقيام بتدخلات التنمية الشبابية الإيجابية داخل الأسرة.
أما النوع الثالث: فهي الأسر المتسيبة، وهي التي تختفي فيها الأدوار، مع عدم وضوح منظومة القيم داخل الأسرة، والقواعد بداخلها متسيبة نوعًا ما، وهذه النوعية من الأسر لا تنشئ جيلًا إيجابيًّا.
نفهم من ذلك أنَّ رد فعل الأسرة نفسها تجاه مواقف أبنائها الإيجابية هي التي تجعلهم يستمرون في هذا المسار الإيجابي طيلة حياتهم؛ فالتدخلات التي تقوم بها الأسر التي تتبنى النهج التنموي الإيجابي تكون تدخلاتها ذات قبول وتفهم أكبر وينتج عنها رضىً أكبر من الأبناء، مما يزيد من الترابط الأسري والتوجيه الإيجابي.
هناك عشرات السلوكيات الأسرية في اليوم الواحد التي من شأنها أن تترك أثرًا إيجابيًّا لدى الأبناء، والتي يغفلها الوالدان إغفالًا تامًّا، وتلك السلوكيات الأسرية تتمثل في تكوين اتجاهات إيجابية لدى الأبناء. الاتجاه هو المكون الأساسي الذي ينمي شخصية مبادِرة، وشخصية إيجابية، وشخصية مبدعة، وحتى نكوِّن اتجاهًا إيجابيا لدى الأبناء يجب أنْ نركز على ثلاثة جوانب هامة:
- المكون المعرفي: بمعنى أنه يجب أن يحرص الآباء دائمًا على تنمية الجانب المعلوماتي لدى أبنائهم لكن مع مراعاة الخصائص المختلفة للمراحل العملية المختلفة.
- المكون الوجداني: بمعنى أنه يجب على الأسرة أنْ تعمل على تبني توجه إيجابي لدى الأطفال لتنمية الجوانب الوجدانية، والتي تتمثل في غرس المبادئ والقيم. المبادئ والقيم بما تنطوي عليه من معانٍ إيجابية هي محركات سلوكية لها جوانب هامة في تكوين السلوكيات الأسرية الإيجابية لدى الطفل.
- المكون السلوكي / التطبيقي: نرى أنه على الآباء التركيز على هذا المكون الأخير؛ لأنه حصيلة المكونين السابقين، وخاصة أننا نتحدث عن فئة الطفولة/ الشباب، وفئة الطفولة/الشباب ربما لا تستوعب كثيرًا من المتغيرات حولها. وعليه، يكون الجانب التطبيقي مهمًا؛ لأنه يرتبط بالمحاكاة، والممارسة، والمعايشة.
التواصل مع الأبناء بين المفعول والمأمول
بتطور الزمن، ومقومات الحياة ونسقها السريع ، أصبحت الأسرة أمام تحديات كثيرة ناتجة من الثورة التكنولوجية، وخاصة في مجال وسائل التواصل الاجتماعي التي أحدثت تغّيرًا في جوهر العلاقات داخل الأسرة، وأفرزت تفاعلات جديدة، منها ما هو إيجابي، ومنها ما هو سلبي؛ ما أدى إلى توسيع الفجوة الحضارية والثقافية بين جيلي الآباء والأبناء، وأثَّر سلبًا على آليات الأسرة في التنشئة الاجتماعية وديناميكية التفاعل بين أفرادها، إلا أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية لا يمكنها أنْ تعمل على بناء الشخصية التي يريدها المجتمع والقيام بكل ما تقوم به الأسرة، وخاصة في بناء الجانب النفسي العاطفي والوجداني عند الأبناء.
ولا شك أنَّ الوالدين يملكان العاطفة والمشاعر الإيجابية تجاه أبنائهم، وخاصة الأطفال منهم، فبيدو أنَّ امتلاك العاطفة شيء والتعبير عنها شيء آخر، في وقت يكون الأبناء فيه في أمس الحاجة لعواطف الآباء، مثل حاجاتهم الفسيولوجية؛ كالطعام والنوم، والراحة، والتعبير عن العواطف بشكل سليم والتواصل العاطفي. إنَّ عدم التعبير عن العواطف الإيجابية عند بعض الأمهات والآباء لأبنائهم يعطي الفرصة لتفسير وفهم المشاعر بطريقة غير صحيحة من قبلهم. ولتجنب ذلك، ومن أجل إيجاد شخصية سليمة متزنة عقليًّا وعاطفيًّا وبدنيًّا واجتماعيًّا ولبناء مستقبل إنسان تبدأ من مرحلة الطفولة، لا بد أنْ يستمر هذا التعبير والتواصل العاطفي من قبل الآباء والأمهات إلى ما بعد الطفولة وفي مرحلة المراهقة والشباب. كذلك، من المهم تفعيل آلية الحوار البناء، وتحديد ساعات الاستخدام للأبناء، إضافة إلى استخدام وسائل الحماية من المواقع التي لا تتناسب مع قيم واتجاهات الأسرة الإيجابية، ومع الاكتفاء بمنع الاستخدام، فكل ممنوع مرغوب يثير فضول الأبناء. وبذلك نضمن أنَّ الأسرة الإيجابية هي تلك التي تعمل على تعزيز التوافق النفسي بين أعضائها، وبذلك تكون حياتهم النفسية خالية من التوترات والصراعات النفسية، ومليئة بالسعادة والرضا عن النفس.
نماذج للتدخلات الأسرية، وآثارها في عملية التنمية الشخصية للأفراد
للمناخ الأسري أهمية بالغة في تنمية الشباب وازدهارهم حيث يأتي في مقدمة العوامل البيئية التي تتشكل من خلالها الملامح الأولى للأفراد؛ لأن الأسرة هي المصدر الأول لإشباع حاجاتهم واستثارة طاقاتهم وتنميتها من خلال التفاعل والتعايش مع الأسرة، والذي يمتد أثره مدى الحياة. أشارت إحدى الدراسات إلى وجود علاقة وثيقة بين توفير المناخ الأسري الإيجابي والجيد، وبين تمتع الشباب بحياة جيدة وإيجابية للشباب؛ بمعنى أنَّ الأبوة والأمومة الجيدة هي عامل رئيسي في ازدهار الشباب وبناء قدراتهم على التكيف مستقبلًا وفقًا للدراسات، فإنَّه من المرجح أنْ ينمو الشباب بنجاح في حال اختبارهم لعلاقات تنموية سوية مع الأشخاص المهمين في حياتهم؛ كالأب، والأم. العلاقات التنموية هي ركائز أساسية يكتشف الشباب من خلالها ذواتهم، ويحددون قدرتهم على تشكيل حياتهم الخاصة، ويتعلمون كيفية الانخراط والمساهمة في العالم من حولهم. ونقصد بالمناخ الأسري (أو الجو العام الأسري) التفاعلات الأسرية، ومدى التماسك الأسري، والضبط الأسري، اهتمام الأسرة بالإنجاز والاستقلال، الاهتمام بالحياة الروحية الأسرية وتنظيم الحياة الأسرية.
هناك عدد من التدخلات الواعدة التي تعكس ما سبق في إطار تعزيز قيم التنمية الشبابية الإيجابية لدى الأسرة، منها برنامج قيادة الأسرة الإماراتي، الذي يهدف إلى:
- نشر ثقافة التنمية الأسرية المستدامة، وتهيئـة بيئـة تحفيزيـة للارتقـاء بـأداء الخدمـات، وتعظيم مخرجاتها.
- تعزيز منهجية المشاركة بين أفراد الأسرة الواحدة.
- تحفيــز الأســر علــى المشــاركة والاســتفادة بأكبر قــدر ممكن مــن الخدمــات والبرامج الاجتماعيــة المقدمــة للأسـرة وفقًا لتركيبتهـا البنائيـة، والمهمـات النمائيـة المرتبطـة بهـا، وذلـك بهـدف الارتقـاء بمسـتويات أفرادها فكريًّا ووجدانيًّا وسـلوكيًّا
وينقسم البرنامج لشقين: حيث يعمل الشق الأول على البرامج الموجهة للوالدين والعاملين على رعاية الشباب. والجزء الثاني حول تصميم وتنفيذ البرامج التي تستهدف الأطفال والشباب ذاتهم.
جهود المملكة في دعم الأسرة
تولي المملكة اهتمامًا كبيرًا بدعم الأسرة السعودية لتحقيق أهدافها وطموحاتها. يؤكد ذلك ما جاء في برنامج القدرات البشرية الذي أطلقته المملكة في إطار رؤية 2030، وهو يهدف إلى تحقيق التنمية الإيجابية للأسرة والشباب والمجتمع من خلال امتلاك المواطن لقدرات تمكنه من المنافسة عالميًا. من خلال تعزيز القيم، وتطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل، وتنمية المعارف. نص هذا البرنامج وبشكل واضح على تعزيز مشاركة الأسر في التحضير لمستقبل أبنائهم، وتعزيز قيم الإيجابية والمرونة وثقافة العمل الجاد بين أطفالهم. وخير مثال على ذلك الجهود الكبيرة التي يبذلها مجلس شؤون الأسرة في المملكة منها على سبيل المثال لا الحصر، المنتدى الافتراضي (أسرة آمنة مجتمع آمن)، الذي يهتم بتعزيز الجهود المقدمة من الجهات المعنية بالأسرة في المملكة العربية السعودية، وكذا دولة الإمارات العربية المتحدة في إطار تبادل الخبرات والاطلاع على أفضل الممارسات في مجال الاستقرار الأسري. يهدف المنتدى الافتراضي إلى تبادل الحلول والخبرات في مجال الاستشارات الأسرية، وإبراز أفضل الممارسات الإيجابية، وقصص النجاح في مجال الاستقرار الأسري، والاستفادة من التجارب وإعداد برامج تدريبية مشتركة، إضافة إلى ترسيخ مبادئ التلاحم الاجتماعي.
في الأخير، هناك عدد من الأسئلة الختامية التي تطرحها الأدبيات فيما يتعلق بدور الأسرة في التنمية الشبابية الإيجابية. هذه الأسئلة لابد للبالغين وأرباب الأسر وكذا العاملين معهم التفكير في إجاباتها بشكل صحيح؛ وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على علاقة الآباء والأبناء داخل الأسرة، ويساهم في تنمية الشباب بشكل عام.
- لأرباب الأسر
- التفكير في علاقاتك الخاصة مع أطفالك-لاسيما المراهقين منهم-ما هي عناصر العلاقات التنموية الأصعب والأسهل بالنسبة لك؟ وكيف تقوم بترتيب هذه العناصر؟ وكيف يتم تطبيقها يومًا بعد يوم.
- كيف يمكن أنْ تختلف تصوراتك عن علاقاتك مع أبنائك عمّا يراه طفلك؟ متى تلجأ للمحادثة لاستكشاف وجهات نظركم ومساحة الالتقاء بينهم؟
- ما الذي يمكنك فعله لتكون أكثر إلحاحًا في ممارسة مجال علاقتك الذي تعرف أنَّه مهم ويصعب تنفيذه؟
- ما هي العناصر التي تبدو ذات أهمية خاصة بالنسبة لك؟ كيف يمكنك التأكد من أنهم يختبرون هذا العنصر، سواء في علاقتهم بك، أو علاقات أخرى موثوق بها؟
- من هم الأشخاص الذين تثق بهم، والذين يمكنك تشجيعهم، وإعطاء النصائح لهم؟
- للأشخاص الذين يعملون مع الآباء والعائلات
- أين ترى نقاط القوة الخاصة بالعائلات؟ من شريكك من أعضاء العائلة الذي يمكن التحدث معه عن حالتهم الحالية؟
- ما هي التحديات الخاصة التي تواجهها الأسر في مجتمعك، وقد تؤثر على علاقة أفراد الأسرة ببعضهم البعض؟
- ما هي الفرص التي تقدمها للعائلات لاستكشاف مكامن القوة والضعف والعمل عليها؟
المصادر والمراجع
- سهير أحمد سعيد، علم الاجتماع الأسري (حقيبة تدريبية أكاديمية)، جمعية البر والإحسان (مركز التنميـة الأسرية)، سلسلة مناهج دبلوم الإرشاد الأسري، جامعة الملك فيصل، السعودية، 2009.
- محمد متولي قنديل، مدخل إلى رعاية الطفل والأسـرة، دار الفكـر، عمـان (الأردن)، 2006.
- حسين عبد الحميد رشوان، البناء الاجتماعي (الأنساق والجماعات)، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 2007.
- حسان محمد الحسن، علـم اجتمـاع العائلـة، دار وائل للنشر، عمان (الأردن)
- هشام شرابي، النظام الأبوي وإشكالية تخلّف المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، تر جمة: محمود شريح، بيروت، لبنان، 1992.
- فتيحة حرّاث،«القيم الأسرية بين الثقافة التقليدية والثقافة العصرية»، مجلة إنسانيات.
- دليل: تنمية الشباب الإيجابية 101 من تأليف Jutta Dotterweich
- دليل التنمية الإيجابية للشباب usaid
- Roehlkepartain, E. C., Syvertsen, A. K., &
- Wu, C.-Y. (2017). A snapshot of developmental relation between parents and youth. Minneapolis, MN: Search Institute
4.8 (13) د. أحمد الحراملة استاذ مشارك في علم النفس الرياضي رئيس […]
5 (1) مروان عبد الحميد الخريسات مستشار وخبير في التخطيط الاستراتيجي والتنمية […]
5 (17) محمد العطاس مقدمة: أثّرت التقنيات الرقمية على […]
5 (3) إعداد: د. محمود ممدوح محمد مرزوق تحرير: قسم المحتوى […]