قيمة مشاركة الشباب [1]
- المشاركة حق إنساني وهدف بحد ذاتها
يوافق العديد من الناس أن لكل إنسان الحق في الكرامة والاحترام والمعاملة بإنصاف، والحق في المشاركة في التأثير على عالمه وتشكيله وفي أن يكون صوته مسموعاً. وتؤكد اتفاقية حقوق الطفل أن كلاً من الطفل والشاب إنسان كامل له حقوقه التي من ضمنها حق المشاركة، وقد عبرت (Marta Santos Pais) عن ذلك بقولها: “لم يعد بالإمكان النظر إلى الأطفال وكأنهم لم يصبحوا أشخاصاً بعد، وكأنهم جالسون في قاعة انتظار الحياة ليصبحوا ناضجين”.
- المشاركة عنصر حيوي في تطوير الذات
يتعذر على الشباب النماء إذا كانوا مقيدين وغير قادرين على المشاركة في تحديد مسيرة حياتهم بأسلوب هادف. ولا يتطور الشباب، إذا كانوا سلبيين، أو لعبوا دور المراقب فقط، أو تعلموا الحقائق الرئيسية عن التنمية بالتلقين. من خلال المشاركة ينمي الشباب مهاراتهم وكفاءاتهم، ويشكلون طموحاتهم، ويكتسبون الثقة، ويحصلون على الموارد القيمة، فالنضج والنمو عمليتان متواصلتان تتحققان عن طريق المشاركة. وهذا ما نسميه بالتسلسل الفاعل، فكلما شارك الشاب بطريقة هادفة ازداد خبرة وكفاءة وثقة بالنفس وبالتالي أصبح مؤهلاً للمشاركة بفاعلية أكبر. وتعزز هذه التجارب الرفاه النفسي بإعطاء الشباب إحساساً بالتحكم في مجريات حياتهم. على سبيل المثال وحسب (Cappelaere and de Winter) “لقد تبين أن الأطفال الذين يترعرعون في جو تشاركي (في البيت والمدرسة والمؤسسات)، يتفوقون دراسياً، ويصلون إلى مستويات أخلاقية سامية، ويصبحون أكثر اندماجاً في المجتمع، وتقل احتمالات تعرضهم للمشاكل النفسية أو الاجتماعية”.
- المشاركة تبني الفاعلية والاستدامة
من المعترف به الآن وعلى أوسع نطاق أن المشاركة تحسن مستوى فاعلية المشاريع والعمليات واستدامتها. وعندما يشارك الشباب في تصميم أي مشروع وإدارته لا تقتصر مشاركتهم على المساهمة بأفكار قيمة، إنما يعتبرون أنفسهم مؤلفين مشاركين لذلك المشروع. وهذا الإحساس بالملكية بدوره يولد لديهم إحساساً بالمسؤولية ورغبة بالتصرف بطريقة تنعكس إيجابًا على المشروع.
إن تواصل منح الشباب الفرص والدعم ليتمكنوا من التأثير على المشروع وتغييره سيساعد على تحفيز الاستثمار والعمل لأنهم يستشعرون الفرق الحقيقي الذي بإمكانهم إحداثه. فمثلاً، ناد يصممه الشباب وينظمونه سيسترعي قدراً أكبر من اهتمامهم وعنايتهم ووقتهم، مثلما أن مشاركتهم في وضع الأنظمة المدرسية يعزز فهمهم لها والتزامهم بها.
- يمكن للشباب المساهمة بشكل قيـﹼـم في مجتمعهم
يساهم الشباب في مجتمعهم بشتى الطرق بما في ذلك الأعمال المنزلية، تأمين مصادر الرزق للعائلة، العناية بكبار السن، رعاية إخوتهم واللعب معهم، والاهتمام بصحتهم وسلامتهم وبيئتهم. هذا الانخراط في المجتمع يخلق لدى الشباب اهتماماً شخصياً بالمسائل، ويمنحهم منظوراً مباشراً على نطاق واسع من المسائل الحياتية التي يجب أخذها في الاعتبار في عملية صنع القرار. وعلى سبيل المثال، في حال طلب رأيهم، بإمكان الشباب تقديم معلومات مفيدة عن المخاطر التي تهدد صحتهم وصحة مجتمعهم المحلي؛ فغالباً ما يقدر الشباب على الوصول إلى أشخاص وأماكن متعذرة أمام البالغين، ويقدمون أفكاراً لا تخطر على بال البالغين أيضاً. لهذه الأسباب يمكن للشباب لعب دور حيوي في إجراء البحوث والمراقبة والتقييم والتخطيط.
- رغبة الكثير من الشباب في جميع أنحاء العالم بالمشاركة
أكد الشباب على هذا الرأي مراراً وتكراراً في سياقات مختلفة بما فيها المؤتمرات الدولية خلال العقد الماضي (Woohhcombe). لكنهم يصرون قبل كل شيء على أن يكون لدورهم معنى. وقد عبرت مجموعة من الشباب من جمهورية الدومينيكان الذين جرت مقابلتهم عن ذلك بقولهم: “نرغب أن يكون لنا دور نشط من منظور أننا كائنات اجتماعية لديها القدرة على التفاعل في مختلف الأطر، بحيث نشارك من البداية كفاعلين ومخططين للعمليات وليس فقط كمتلقين للمنتجات النهائية المفروضة علينا، أو باعتبارنا مواضيع في هذه العمليات. الشباب يملكون الإمكانات والقدرات ويجب سماعهم ودعمهم”
- المشاركة تنمي التعلم وتبني المهارات الحياتية وتساعد على حماية الذات
يتعلم الناس وبمن فيهم الطلاب بصورة أفضل عن طريق التفاعل والتعلم التشاركي، وقد أثبت التعلم عن طريق التلقين والحفظ قلة جدواه. فالشباب دون أن يمنحوا فرصة الدفاع عن أنفسهم، أو تشكيل النتائج كثيراً ما يصبحون سلبيين، لكن الشباب الذين يشجعون على التعبير عن آرائهم غالباً ما تعزز ثقتهم بأنفسهم واحترامهم لذاتهم، ويتصرفون من موقف قوة ويكونون مؤهلين أكثر للتعامل مع المواقف التي تنطوي على ظلم أو إساءة أو تهديد لأنهم لن يتوانوا عن طلب النصيحة أو الانسحاب من وضع قد يؤذيهم عند الضرورة، أو حتى التكيف بطريقة مبدعة عندما لا يجدون مخرجا. والمشاركة بهذا المعنى مهمة للحماية، لكن في المقابل، الحماية الزائدة قد تجعل الشباب يشعرون بالعجز والاتكالية وعدم الاستعداد للتعامل مع التحديات الجديدة.
- مشاركة الشباب تبني المجتمع
اشتراك الشباب في الفرق والمجموعات والنوادي واللجان والمنظمات غير الحكومية والمجالس وغيرها من الهيئات بمفردهم أو مع البالغين يقوي المجتمع. ويساعد هذا النوع من مشاركة الشباب على معرفة الكيفية التي يعمل العالم وفقها وما يجب فعله لجعله أفضل، وبالتالي يتمكنون من الإسهام في تنمية المجتمع بشكل ملحوظ. والمشاركة التي تنخرط فيها نخبة متنوعة من الشباب تمنحهم إحساساً بالانتماء، والتضامن، والعدالة، والمسؤولية، والاهتمام بذوي الحاجة، ومراعاة الناس .
مبادئ مشاركة الشباب [1]
- البدء منذ عمر مبكر
لا يكتسب الشباب القدرة على المشاركة بين ليلة وضحاها. فما يكتسبونه في طفولتهم يؤثر على سلوكهم في المراحل اللاحقة. لذلك يجب تعزيز النهج التشاركي منذ الطفولة المبكرة، في المدرسة ، في البيت، حيث يمضي الشباب أثناء طفولتهم أوقاتًا طويلة في هاتين المؤسستين ويكسبون أولى مهاراتهم من خلالها.
- ضمان أن الشباب جميعهم في وضع يسمح لهم بالمشاركة
التمييز بين الشباب قاس للغاية ويؤدي إلى عدم تكافؤ شديد في عملية المشاركة. واعتماداً على الظروف، قد لا تحظى آراء بعض الشباب بالوزن نفسه على أساس الطبقة الاجتماعية، التعليم، الجنس، الإعاقة، الحجم، العمر، الجنسية، الأصل العرقي، نقص التجارب، اللغة أو عوامل شخصية مثل الخجل أو صعوبة التعبير عن الرأي، لذلك يجب اتخاذ إجراءات خاصة وفاعلة ترسخ احترام الجميع وتراعي ديناميكيات القوة في تفاعل الشباب وتشمل المعرضين لخطر الاستبعاد.
- بناء قدرات الشباب على المشاركة بفاعلية
لا يقدر الشباب على المشاركة بفاعلية إذا لم تتوفر لهم فرصة تعلم المشاركة، لذلك فإن بناء مهارات المشاركة أمر أساسي. لكن يجب ألا يتم ذلك على شكل مواعظ. فالمحاضرات لا تفيد بل تقوض جوهر المشاركة، وإعداد الشباب للمشاركة ينطوي على الحوار والنقاش الجاد والتعلم عن طريق العمل والتطبيق العملي لما جرى تعلمه. كما يجب النظر بعناية في العلاقات بين البالغين والشباب في أي برنامج يهدف إلى تعزيز تنمية الإمكانات، فعلى الشاب أن يكون قادراً على الإنصات والتفكير والتحليل وطرح الأسئلة وتحدي البالغين في عملية التعلم.
- بناء قدرات الكبار على الإنصات وتعزيز مشاركة الشباب
لا يكفي أن يكون صوت الشباب مسموعاً وأن يعرفوا كيف يشاركون في السياقات المختلفة، ومن وجهة نظر (Marta Santos): “تمثل قدرات الطفل المتنامية جانباً واحداً فقط من المعادلة، والجانب الآخر متعلق بقدرات البالغين المتنامية ورغبتهم في الإنصات للآراء التي يعبر عنها الطفل وفهمها ووزنها”. من الصعب تحقيق المشاركة الحقيقية عندما يكون البالغون قد قرروا مسبقاً وشعروا بعدم وجود ما يتعلمونه من الشباب. وقد شدد العديد من الخبراء الذين راجعوا هذه الوثيقة على هذا الجانب، وأن على البرامج الترويج لفكرة تغيير البالغين لمواقفهم وإنصاتهم إلى الشباب والأطفال على كل المستويات بدءاً من الأسرة (Edwards). ويمكن أن يتضمن ذلك بصورة جزئية تدريب الكبار على مهارات التيسير وعلى زيادة وعيهم بديناميكيات التفاعل.
- ضمان امتلاك الشباب المعلومات الكافية
يمكن أن يؤدي ضعف المعلومات أو نقصها إلى نتائج ضعيفة. ولإجراء تقييم على أكمل وجه للمواقف والخيارات، واتخاذ الإجراءات المسؤولة يجب تزويد الشباب بمعلومات دقيقة ومتعلقة بالأمر وفي الوقت المناسب. ومع أنه من المناسب أحياناً حجب معلومات مهمة عن الشباب لعدم نضجهم بعد – كأمور تتعلق بميزانية الأسرة، وظائف إدارة المدرسة- إلا أن ذلك غالباً يسبب الضرر ويحد من إمكانات الشباب بلا مبرر. من ناحية أخرى، لا يجب تزويد الشباب بالمعلومات فقط بل وبالمهارات والوسائل لنقد هذه المعلومات.
- الوثوق بالشباب والسماح لهم بتحمل المسؤولية
كثيراً ما يجد الشباب جهودهم قد قوضت ويشعرون بالمرارة من طريقة الحكم عليهم، ووعظهم، والسخرية منهم، وعدم تقديرهم، وإهانتهم من قبل البالغين – مع أنه بالنسبة لغالبية الشباب لا شيء يضاهي شعورهم المستمر بحماس الكبار وقادة الشبيبة لتصرفاتهم، وثقتهم بقدراتهم المتعددة من تفكير ومهارات حل المشاكل وتحقيق إنجازات مهمة وإحداث فارق إيجابي في المجتمع. كما يحتاج الشباب إلى الشعور بالمسؤولية وأن يتاح لهم العمل في مجالات مختلفة يتولون فيها أدواراً قيادية أو رئيسية لضمان تحقيق النتائج. وشعور الشباب بذلك في بيئة من المحبة والاحترام سيولد لديهم شعوراً بالثقة والأهمية، وينمي كفاءاتهم الاجتماعية ويؤكد (Richman and Bowen in UNICEF، على: “عندما تقوم الأسرة والأقران والمجتمع المحلي بمنح الأطفال الشعور بأنهم يتوقعون منهم تحمل المسؤوليات بنجاح والمشاركة بطرق قيمة، تنمو قدرات الأطفال على التفكير والعمل المستقل بشكل أفضل وتزدهر كفاءتهم الاجتماعية”.
- السماح للشباب بالمشاركة مع مخاطرة محسوبة
إن تجربة الأمور الجديدة وتعلم المهارات وإقامة علاقات وابتكار المشاريع وإجراء التجارب والاستكشاف –وتقريباً أي عمل آخر- هي أمور محفوفة بالمخاطر واحتمالات وقوع الأخطاء. لكن المجازفة ضرورية للنمو وتعكس الغريزة الإنسانية نحو الحرية. إلا أن إرشاد الشباب يظل عملية مفيدة، وفي بعض الأحيان من الممكن أن يكون إلغاء قراراتهم مشروعاً لا سيما إذا كانت قدراتهم محدودة والموضوع يترتب عليه نتائج وخيمة وبعيدة الأمد. لكن يجب السماح للشباب – قدر الإمكان- باتخاذ قراراتهم حتى لو أدى ذلك إلى ارتكاب “أخطاء”. ومعرفة اللحظة المناسبة لمنح الشباب الحريات هي ربما من أهم الصفات التي يكتسبها البالغون. فارتكاب الأخطاء جزء مهم من كوننا بشراً. ويجدر بالذكر أن العقاب والتوبيخ الشديدين في التعامل مع الخطأ يخنقان روح المبادرة ويؤديان إلى أضرار بالغة.
- توفير الوقت الكافي للمشاركة
من الصعب تحقيق المشاركة الهادفة بطريقة متعجلة أو كنشاط جانبي سريع، فخلق الثقة اللازمة بين الشباب والبالغين وتعلم النهوج الجديدة يستغرق وقتاً. كما أن إجراءات المشاركة الفاعلة – التفكير الجاد، التقييم العادل لوجهات النظر المختلفة والتأكد من أن الجميع يشارك – تتطلب وقتاً. وعلى سبيل المثال، فإن المشاركة الفاعلة في مؤتمر أو مشروع بحث أو صحيفة تتطلب وقتاً للتحضير. وعندما يتم التعجيل في العمليات ينزع الكبار إلى الرجوع للعادات غير الديمقراطية القديمة، أو “التظاهر” بالمشاركة، الأمر الذي يضر بأساس العلاقات السليمة بين الشباب والبالغين.
- خلق مناخ مواتٍ للمشاركة
من السهل استبعاد الشباب حتى دون ملاحظة ذلك، فالكثير من قرارات الحياة اليومية، بالإضافة إلى قرارات أهم عن الميزانيات والقيادات والقوانين والأولويات، يتولاها البالغون لا شعورياً دون إشراك الشباب. وعليه يجب إعادة تنظيم عملية صنع القرار والطريقة التي تجري بها بشكل يجذب الشباب ويتوقع حضورهم. وأوضح قادة منتدى شباب الإكوادور أهمية المناخ (البيئة) لـ Karen Pittman من المؤسسة الدولية للشباب كالآتي:
“المناخ هو المساحة في تصورنا لما يجب أن تكون الأمور عليه. نوع المناخ الذي يدفع أحدهم، تقريباً لا شعورياً، لتجهيز مكان إضافي على المائدة لأن أحد أفراد الأسرة تأخر، لكن يفترض أن يأتي”
[1] The Participation Rights of Adolescents: a strategic approach, Rajani, UNICEF, Aug. 2001
المراجع
- مجيد راهينيما، المشاركة، من كتاب “قاموس التنمية”، ترجمة أحمد محمود، الطبعة الأولى 2008، المركز القومي للترجمة/ مصر
- UNICEF, (2001) The Participation Rights of Adolescents: a strategic approach, Rajani, UNICEF
4.8 (13) د. أحمد الحراملة استاذ مشارك في علم النفس الرياضي رئيس […]
5 (1) مروان عبد الحميد الخريسات مستشار وخبير في التخطيط الاستراتيجي والتنمية […]
5 (17) محمد العطاس مقدمة: أثّرت التقنيات الرقمية على […]
5 (3) إعداد: د. محمود ممدوح محمد مرزوق تحرير: قسم المحتوى […]