صناعة القيادات الإعلامية العربية الشابة في القرن الحادي والعشرين
4
(1)
الباحثة/ فاطمة محمد الأمين محمد موسى

 

مقدمة

في ضَوْءِ الحراكِ الكبير الذي يشهده عالمنا اليوم لتنمية الموهوبين، وتأهيل القيادات الشابة وتطويرها، باعتبارهم الوقود الحيوي لأي مجتمع، بات موضوع صناعة القادة وبناء الشخصية القيادية يُمثِّل مطلبًا أساسيًا وركيزة ثابتة؛ سواء على مستوى الأقطار العربية، أو على المستوى العالمي.

في الواقع؛ يُعدُّ هذا الموضوع أحد الظواهر الإنسانية الشائكة والمُعقدة في البحث والتناول؛ حيث لم تستطيع الدراسات، والأبحاث، والتجارب العلمية التي أُعدت في هذا النطاق من استيعاب هذه الظاهرة، والتوصل إلى نتائج حاسمة ومتفق عليها من قِبل الباحثين المتخصصين القائمين عليه، ويرجع ذلك إلى طبيعة علم القيادة وتنوع مجالاته وقضاياه، وارتباطه باحتياجات الإنسان وتغيرات عصره، حيث يحتاج الأمر إلى أدوات وأساليب متجدِّدة باستمرار . وفي هذا الإطار، يُسلط المقال الضوء على أحد أبرز هذه المجالات المنبثقة من علم القيادة، ألا وهو “القيادة الشابة”، نظرًا لأهمية هذه الشريحة في بناء الأمم والحضارات، فهم عمادها في الحاضر والمستقبل.

لا شك بأن الاهتمام بصناعة القيادات الشابة على اختلاف مستوياتها قد أصبح من الأمور الماسة؛ لما تلعبه من دورٍ متعاظمٍ في جميع المجالات الحياتية، وقد تَشَكَّل هذا الاهتمام على مختلف الأصعدة والقطاعات الحكومية، والأهلية؛ الربحيةِ، وغير الربحيةِ، حتى لا تكاد دولة تخلو من مبادرة أو برنامج يهدف إلى تأهيل أو تطوير تلك القيادات، وفي ظلِّ عصر التّسارع المعلوماتي ّوالتقنيّ الذي نعايشه، أصبحنا اليوم أمام معادلة جديدة فَرضت على مختلف الحكومات ضرورة صناعة جيل متميز من القيادات الإعلامية العربية الشابة؛ لكي تكون قادرة على النهوض بقطاع الإعلام العربي وتطويره.

وفي هذا الخضم، بات مصطلح الإعلام التنموي الشبابي يتردد صداه في عديد من ساحات النقاش وحلقات البحث العربية؛ لما له من أهمية جلية في مساعي تمكين طاقات الكوادر الشبابية، وصقل مواهبهم في المجال الإعلامي، وتعظيم دورهم من أجل إرساء منظومة إعلامية متكاملة وإيجابية، ومن ثم أصبح من الضروري تدريب هذه الكوادر على استخدام التكنولوجيا الحديثة وفقًا لأعلى المعايير، والاطلاع على أساليب التغطية الإعلامية المتنوعة في المجال الإعلامي، عبر إقامة الدورات والندوات والبرامج الفعالة والزيارات الميدانية؛ حتى يتأهل جيل من الرواد الشباب العرب في الحقل الإعلامي ليكونوا قادة قادرين على مواجهة التحديات الإعلامية بمهنية وشفافية، وقيادة قطار تنمية الإعلام العربي وتطويره مستقبلاً .

وفي ضوء ما تقدم، جاء هذا المقال ليتطرق إلى أبرز البرامج والمبادرات والنماذج التي انتهجتها المؤسسات العربية والخليجية؛ للاستثمار في المهارات والقدرات المؤثرة لدى أولئك الشباب، ورفع مستوى أدائهم، وصولاً إلى تحديد مجموعة من أهم المنهجيات والشروط الواجب توافرها لإعداد وتطوير الكوادر القيادية الشابة، خاصة في مجال العمل الإعلامي.

 

عناصر المقال:
1. نظريات القيادة وأنماطها ومستقبلها.
2. الإعلام التنموي والقيادات الشبابية بين التأثير والتأثُّر.
3. برامج ومبادرات خليجية وعربية واعدة لتمكين القيادات الإعلامية الشابة العربية.

 

-1- نظريات القيادة وأنماطها ومستقبلها:

تُعد القيادة في مختلف المؤسسات والمنظمات ضرورة لتسهيل العمل فيها، وتختلف المراكز والمسئوليات والأدوار القيادية بها، وتمارس القيادة في مختلف المؤسسات -سواء إعلامية أو غيرها- مجموعة من الأنشطة تتمثل في: اتخاذ القرارات، والتخطيط، والتنظيم، والرقابة، والتوظيف، والمفاوضة، والتحفيز، والاتصال. ولا شك بأن للقيادة دوراً مهمًا في نجاح أي مؤسسة؛ ولكي نستطيع فهم طبيعة القيادة وخصائصها ومسئوليتها، سوف نتطرق إلى جانبين أساسين في هذا الموضوع؛ وهما:

 

أولاً: نظريات القيادة الأكثر تداولاً والعوامل المؤثرة في تكوين شخصية القيادي:

بدايةً تجدر الإشارة إلى وجود عديد من النظريات والأبحاث التي تناولت منهجيات القيادة الناجحة وتفسير أنماطها المختلفة، ولكن سوف يتم في السطور القادمة عرض النظريات الأكثر تداولاً في هذا الصدد، علمًا بأنه يمكن أن يكون هناك نظريات أخرى منبثقة من تلك النظريات.

 

1- نظرية السمات أو المزايا: التي أشارت إلى أن الفرد لا يمكن أن يكون قائدًا دون سمات خاصة به تميزه عن غيره من الأفراد، وبذلك فهي ترى أن فاعلية القائد تَكمُن في “خصائصه الشخصية”، وارتكزت على تحديد المميزات التي يمتلكها القادة الأكفاء؛ مثل: الرقابة الذاتية، والاستقلالية، وروح الصداقة، والتوجهات الدينية، والتفاؤلية، ويؤخذ على هذه النظرية إنها عجزت عن تقديم نموذج للقيادة؛ لأن مميزات الشخصية ليست إلا جانبًا ظاهرًا، كما أغفلت عوامل أخرى ترتبط بالمؤسسة التي يعمل بها القائد، والبيئة المحيطة به؛ فالقيادة ليست مجرد صفات شخصية يمتلكها الفرد وتجعل منه قائدًا ناجحًا.

 

2- نظرية السلوك: ترى أن ما يجعل القائد كفًا ومستقلاً عن شخصيته “هو ما يفعله”؛ لذا فهي تبحث عن سلوك القائد الكفء؛ مثل: طريقة تواصله مع الآخرين، وكيف يعطي التوجيهات، وكيف يفاوض ويحفز ويخطط ويدير اجتماعات.. وغير ذلك من الأنشطة والممارسات التي يقوم بها، وبالتالي فهي توضح أن القادة لا يُولدون، بل يُصنعون، وأن القيادة الناجحة مبنية على سلوك يمكن التدرب عليه وتَعَلُّمُه، ويُعاب على هذه النظرية بأنها تجاهلت الشخصية كأساس للقيادة، وحولت القيادة إلى عمل آلي، ولعل أهم إسهام لهذه النظرية يتمثل في تفسيرها لأهم أنماط سلوك القيادة، والتي يمكن أن يستعين بها المدير لتبني نمط قيادة ناجحة في مؤسسته.

وفيما يخص شخصية القيادي؛ فهي تنتج من تفاعل عدة جوانب، تأتي على رأسها نمط القائد، وشخصيته، وسلوكه، وتعامله مع معاونيه، وميوله القيادية، ويتداخل ذلك مع عوامل أخرى؛ مثل: العوامل المرتبطة بالعاملين، وقبولهم للأهداف الإدارية، ومهاراتهم، والعوامل المتعلقة بطبيعة المؤسسة وتنظيمها؛ كالميزانية، وتقسيم العمل، وتحديد المهام، وبنية المؤسسة، إضافة إلى عوامل أخرى خاصة بالبيئة المحيطة بالمؤسسة؛ كالظروف السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والقوانين المنظِّمة لمزاولة مهنته.. وغيرها.

 

ثانيًا: نظرية القيادة في ظل المتغيرات العالمية المستقبلية:

إن ما شهده واقعنا منذ بداية القرن الحادي والعشرين، تحت مظلة نظام عالمي جديد تتلاشى فيه حدود الزمان والمكان؛ قد شكَّل تحديات جديدة أمام القيادة العالمية؛ ومنها: تحديات العولمة، والمنافسة، والجودة الشاملة، والاستخدام الأمثل للموارد، إلى جانب التحديات التكنولوجية، واتخاذ القرار في عالم متغير، واستجابةً لمتطلبات هذا العصر الجديد، سُلِّطت الأضواء على نظرية القائد التحويلي، والتي تؤمن بـ”القائد القادر على تغيير موقفه وأسلوبه القيادي، واستبداله بأسلوب تطوري أكثر مرونة وإقبالاً على التغيير؛ كي لا يفقد السيطرة على مجريات الأمور في المؤسسة” ، ومن خصائص شخصية القائد التحويلي التي حدَّدها كلٌّ من (باس) و(بينس) رواد هذه النظرية؛ أنه: “شخص ذو رؤية ورسالة ومعايير عالية، له جاذبية شخصية، ذو شخصية إلهامية، يشجع التابعين، ويستثير فكرهم، ويهتم بالأفراد، له حضور واضح، ونشاط بدني متفاعل، يسعى للوصول بأتباعه إلى تحقيق إنتاجية عالية، وهو عنصر تغيير، ومُحب للأخطار المحسوبة”.

وانطلاقًا من زخم هذه النظريات ومسلماتها، يتضح لنا أن لكل شخصية قيادية خصوصيتها وعوامل تشكيلها؛ من: أسرة، ومدرسة، ووسائل إعلام، ومؤسسات دينية … وغيرها من عوامل تؤثر في إفراز قيادات فعالة، أو في تراجع دورها الحقيقي، وبالتالي يتبين أن الاستعانة بنموذج قيادة نشأ في مجتمعات غربية، وتطبيقه في مجتمعاتنا العربية، هذا الأمر لا يكاد ينجح في كثير من الأحيان، والسبب ليس في أن النظرية خاطئة، بل في اختلاف البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية داخل هذه المجتمعات وقطاعاتها المختلفة، والتي تضمن نجاحها وتقودها إلى تحقيق أهدافها المرجوة ، وإذًا فلا يمكن تصنيف نظرية واحدة بأنها الأفضل بحيث اتباع التفسير والنهج الذي سلكته في التنمية القيادية، بل يتطلب الأمر بناء برامج ونماذج قائمة على معايير ومنهجيات تتوافق مع البيئة المحيطة؛ إذًا ينبغي التسليم بأنه على الرغم من أن “القيادة تَعلُّـــم، ولكن تلعب البيئة المحيطة دورًا فعالاً في صناعة القادة”.

 

-2- الإعلام التنموي والقيادات الشبابية بين التأثير والتأثّر

بدأ الاهتمام بمفهوم الإعلام التنموي منذ الثمانينات من القرن الماضي، وقد ساهم في بلورته “ويلبر شرام” (Wilbur Schramm)، ويعد أحد أعمدته، وذلك بعد نشر كتابه “وسائل الإعلام والتنمية” عام 1974 ، وعلى الرغم من تعدد التعريفات حول هذا المفهوم، إلا أنه يُلاحظ أن جميعها تدور حول اعتباره: “نشاط شامل وهادف، ومخطط متوازن ومعقول ومتعدد الأبعاد، يخاطب مختلف شرائح المجتمع، بأسلوب واضح وسهل، يفهمه العام والخاص من الأفراد، وذلك قصد إقناعهم بضرورة المشاركة الإيجابية داخل المجتمع، وكذلك الاستغلال المحكم والعقلاني للموارد الطبيعية والبشرية والتكنولوجية؛ لتحقيق أهداف ومصلحة المجتمع العليا”.

كما يوجد عديد من الدراسات والبحوث العلمية الهادفة التي أُجريت في حقل الاتصال التنموي، وأكدت أنه في ظل الانفتاح الإعلامي العالمي الذي نعاصره، أضحت الدول تتنافس فيما بينها في استثمار جميع طاقاتها وإمكانياتها المادية والبشرية؛ لتطوير منظومتها الإعلامية وتنميتها، باعتبارها المحرك الأساسي لتقدم المجتمعات وتحضرها، ونظرًا لأن نجاح خطط التنمية رهينة بالمشاركة الفعالة لجميع أفراد المجتمع، خاصة الشباب؛ لقدرتهم على الابتكار والإبداع وإحداث التغيير في المجتمع الذي يعيشون فيه وتطويره ، أصبحت هناك حاجة ماسة لتوحيد الجهود وتعزيز قدرة هؤلاء الشباب؛ لكي يصبحوا صناع قرار المستقبل، ووكلاء للتنمية المستدامة.

ومع تعدُّد وسائل الإعلام، وتنوُّع أنماطها، وتأثيرها الفعال على الجمهور المتلقي؛ وخاصة فئة الشباب؛ تجلت أهمية هذه الوسائل، واعتبرت إحدى أبرز أدوات القوة الناعمة التي تساهم في تشكيل الرأي العام وتوجيهه ، ويتطلب هذا المشهد أهمية التركيز على بناء قطاع شبابي متعلم قادر على التعامل مع مختلف منصات الإعلام الجديدة، حيث تأتي وسائل التواصل الاجتماعي على رأسها، التي أصبحت مصدرًا رئيسًا للحصول على المعلومات والأخبار؛ أي صناعة جيل أفضل من القيادات الإعلامية العربية تساهم في بناء مستوى الثقة مع المجتمع والفئات المُستهدفة فيه، حتى تتمكن من نشر غاياتها المنشودة التي تعكس المبادئ والقيم الهادفة.

كما ينطوي الأمر على ضرورة تسليح هذه القيادات الشبابية بالمهارات اللازمة التي تمكنهم من مواجهة الأزمات الإعلامية التي طُرِحَت بشدة على الساحة الإعلامية في الآونة الأخيرة، فهذه الأزمات متنوعة ومتشعبة، وتشمل مختلف المجالات الحياتية، وتتعلق في أغلب الأحيان بالرأي العام، ويمثل التعامل معها أحد أكبر التحديات التي يمكن أن تواجه القائمين على وسائل الإعلام وكذلك صناع القرار ، وبالتالي، هناك عديد من الخطوات التي ينبغي على القائد الإلمام بها؛ حتى يتمكن من إيجاد الطريقة الملائمة للتصدي لها، وذلك بحكمة ووفق خطة واضحة تضمن احتواء الأزمة وتجنب آثارها؛ القريبة والبعيدة المدى.

إن التجارب المعاصرة أثبتت أن عالمنا العربي مليء بالطاقات الشابة القادرة على تحويل التحديات إلى فرص في مختلف القطاعات، ومن ذلك القطاع الإعلامي الذي يعدُّ من أهم القطاعات وأكثرها حيوية وتأثيرًا في المجتمع؛ لذا فهم يمثلون حجر الزاوية في بناء منظومة إعلامية معاصرة ومبتكرة، وقادرة -بواسطة أفكارهم النيّرة ومقترحاتهم البناءة- على تلبية الاحتياجات والمتطلبات التي يفرضها المشهد الإعلامي العربي؛ باستخدام خطاب إعلامي هادف.

 

-3- برامج ومبادرات خليجية وعربية واعدة لتمكين القيادات الإعلامية الشابة العربية:

تحت رعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان؛ نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة في دولة الإمارات العربية المتحدة، أطلق مركز الشباب العربي “برنامج القيادات الإعلامية العربية الشابة” ، والذي يعدُّ أضخم برنامج تطويري إعلامي، تشارك فيه المؤسسات الإعلامية والخبراء في صقل مهارات الشباب العربي، وتزويدهم بالمعرفة والخبرة لقيادة الإعلام العربي، ويُعَرِّف هذا البرنامج -منذ انطلاقته في عام 2017- الشباب بأفضل الممارسات الإعلامية، ويتيح لهم التعلُّم وفق منظومة متكاملة؛ تشمل:

أولاً: البرامج والورشات التدريبية التي تحتوي على عديد من الدورات المتخصصة في مجال الإعلام التقليدي والرقمي؛ بهدف صقل مهارات الإعلاميين الشباب العرب، وتطوير مواهبهم ضمن مواضيع مختلفة؛ منها: مهارات التواصل، والدراسات الإعلامية، والقيادة.

 

ثانيًا: الجلسات النقاشية والمناظرات، التي تمثِّل منصة للحوار الحضاري بين المختصين في المجال ذاته، حيث تُشجِّع تبادل المعرفة ووجهات النظر المختلفة بين الإعلاميين العرب الشباب، والمختصين في مجال الإعلام بشكل حرفي وفعال، يضمن للجميع إبداء آرائهم في بيئة إيجابية وحيوية، كما تهدف الجلسات إلى طرح أفضل الحلول للتحديات التي تواجه الإعلاميين العرب الشباب، وتطوير منظومة العمل الإعلامي العربي، وتحديد أفضل ممارسات العمل الإعلامي.

 

ثالثًا: الندوات والمحاضرات المتعلقة بمجال الإعلام، والتي تستهدف الإعلاميين العرب الشباب، بالتعاون مع أبرز الجامعات والكليات الإعلامية، وخبراء الإعلام على مستوى العالم.

 

رابعًا: الزيارات الميدانية لأهم وأرقى المؤسسات الإعلامية على مستوى العالم؛ بهدف الاطلاع على أفضل الممارسات الإعلامية ضمن سياق إعلامي على أرض الواقع، بالإضافة إلى اكتساب المعرفة من أهم الشخصيات والمؤسسات الإعلامية، ويشارك في هذا البرنامج (100) شاب وشابة من الدول العربية سنويًا.

 

ودعمًا لرؤية المملكة العربية السعودية 2030؛ لتحقيق مجتمع نابض بالحياة، واقتصاد مزدهر وأمّة طموحة؛ جاء “برنامج قيادي متكامل لتأهيل القيادات الشابة” ، ليُعدَّ أحد برامج مشروع “سلام” للتواصل الحضاري، ويهدف إلى تأهيل كوادر من الشباب السعودي معرفيًّا ومهاريًّا؛ للمشاركة في المحافل الدولية المختلفة، وإبراز الصورة الإيجابية والحضارية عن المملكة العربية السعودية، والتعريف بجهودها المبذولة، وإظهار عمق تأثيرها وثقلها على جميع المستويات؛ العربية والإسلامية والدولية، بأسلوب علمي حواري، وفقًا لأفضل الممارسات والتجارب الحديثة، ويعمل البرنامج على تناول مجموعة من المجالات والقضايا المتنوعة ذات العلاقة بالمملكة العربية السعودية وصورتها في العالم، والتي تعطي فكرة عن القضايا التي ستتم مناقشتها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى أنها مرجع لقضايا يمكن استخدامها في الحوارات والمناقشات المستقبلية أثناء البرنامج وبعد التخرج منه، ومن أبرزها: رؤية المملكة 2030م، السياسات العامة، الحضارات والثقافات، الإعلام الدولي، المنظمات والشخصيات المؤثرة دوليًّا، بناء الصورة الذهنية، حقوق الإنسان، أهداف التنمية المستدامة، الأنظمة والقوانين السعودية، القوى الناعمة والدبلوماسية الشعبية.

بالتوازي، قامت مؤسسة ريادة أعمال مجتمعية “خبراء الشباب”، المتخصِّصة في صناعة خبراء المبادرات الشبابية النوعية، بإطلاق “برنامج إعلامك” ؛ بهدف تأهيل الشباب المتخصصين في المجال الإعلامي والواعدين إعلاميًا من أصحاب التخصصات الأخرى في عددٍ من المجالات والقدرات الإعلامية؛ كـ (المفاهيم الإعلامية، وصناعة المحتوى، ومهارات العرض والتقديم المرئي والصوتي والرقمي، والجوانب الإعلامية الفنية، والقضايا الشبابية الإعلامية، ومهارات الإدارة والتخطيط الإعلامي)، عبر تقديم مجموعة من الدورات التأهيلية وورش العمل والتدريبات الميدانية والتطبيقات العملية؛ لذا يرتكز هذا البرنامج على ستة أهداف أساسية؛ وهي: المساهمة في تكوين الوعي الإعلامي لدى الكفاءات الإعلامية، وبناء الكفاءات الإعلامية الشابة وتأهيلها، وتكوين بيئة إعلامية جاذبة وهادفة، وصناعة محتوى إعلامي نوعي، وابتكار قوالب برامجية إبداعية وجاذبة، والتعزيز القيمي لدى الكفاءات الإعلامية.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى مبادرات مؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز الخيرية؛ المعروفة اختصارًا بـ “مسك الخيرية” لتنمية القيادات الإعلامية؛ لإدراكها بأن الإعلام هو أحد أهم قنوات نقل الخبرات والثقافات والأفكار؛ لذا حرصت على مواكبة أحدث الممارسات في مجال الإعلام، من منطلق أهمية ألا يتخلى الإعلام عن مسؤوليته الاجتماعية كوسيلة بناء وتنمية تزيد من مستوى الوعي وترتقي بالمجتمع والوطن.

ومن بين الجهود الإعلامية التي بذلتها هذه المؤسسة على مدى الأعوام الماضية: ملتقى “مغردون” ، الذي أقيمت دورته الأولى في شهر مارس من العام 2013م، ليستمر بعد ذلك بشكل دوري كل عام، وهو حدث تفاعلي لتعزيز الجوانب الاتصالية لدى الشباب، والارتقاء بمستويات الفكر والإبداع لديهم على النحو الذي ينهض بقدراتهم ويوسع مداركهم، حيث يجمع الملتقى المبدعين ممن برزوا على منصات التواصل الاجتماعي مع الشباب المهتمين بهذه الصناعة؛ للاطلاع عن قرب على أكثر الممارسات والسلوكيات نفعًا، وكيفية إبراز المقدرة الوطنية في الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي، ورفع الوعي لدى الشباب، وتسخير أدوات الإعلام الرقمي لخدمة الوطن، وتجسيد المحتويات المعرفية والإبداعية في مخرجات الشباب.

كما يمثِّل ملتقى الإعلام المرئي الرقمي “شوف” ، الذي انطلق لأول مرة في شهر أكتوبر من عام 2013م ليستمر بعد ذلك كل عام، كأحد أبرز جهود “مسك الخيرية” الإعلامية، حيث تهدف المؤسسة من ورائه إلى إبراز المقدرة الوطنية في الإعلام المرئي الرقمي، ورفع وعي الشباب، وتسخير أدوات الإعلام الرقمي لخدمة الوطن، وتوطيد علاقة التعاون والشراكة بين المواهب الشابة الجديدة وبين المستثمرين والجهات ذات العلاقة، حيث يشارك في الملتقى عدد من المسؤولين المختصين والخبراء والمهتمين.

وتأتي فعالية “كمل” كأحد أوجه الدعم الإعلامي الذي تعمل عليه “مسك الخيرية”؛ إذ تعدُّ شريكًا استراتيجيًا في هذه الفعالية التي تقوم على تحفيز الشباب وتشجيعهم على المبادرة والإصرار؛ سواء في بدء مشاريعهم الخاصة، أو في إكمال ما تعثر منها، حيث يجتمع خلال الفعالية شباب ناجحون من رواد أعمال وغيرهم، بآخرين لم يحالفهم الحظ في بدء أو إكمال مشاريعهم؛ لتعزيز روح الإصرار لديهم، وإعطائهم أبرز الأساليب والأدوات التي تساعدهم على النجاح.
وتعزيزًا لمهارات الشباب العربي في مجال الإعلام الرقمي، وتوجيه قدراتهم نحو بناء مستقبل مهني واعد؛ تجلى “برنامج جدارة” ؛ لتلبية احتياجات سوق العمل العصري على المستويين الإقليمي والعالمي، وتشجيع الشباب على أداء دورهم المستقبلي المهم، وذلك من خلال توفير المعلومات والخبرات التي تدعمهم وتساعدهم على تحقيق النجاح والازدهار، وقد جذب البرنامج عديدًا من الشراكات مع كبرى الشركات العالمية؛ مثل: جوجل، تويتر، أماديوس، فيسبوك، ستيب ويوداسيتي؛ للمشاركة في إعداد قادة المستقبل في مجال الأعمال الرقمية، وتهيئة الجيل الشاب لمواكبة متطلبات العصر في المجال المهني، وبما أنها تُعنى بتدريب الخريجين، تعمل منصة جدارة على منح المواهب العربية ما تحتاجه من أدوات التفكير المبتكرة والخبرة العملية اللازمة، نحو هدف تحويلهم إلى قادة يساهمون في تعزيز الاقتصاد العربي الرقمي وتنميته.

وعلى صعيد المبادرات الشبابية التي انطلقت إلكترونيًا لبناء قدرات الشباب العربي وتنميتها؛ نذكر “الرابطة العربية للإعلام التنموي والحقوق” ؛ ويهدف هذا المشروع -الذي يعد الأول من نوعه عربيًا- إلى الارتقاء بمستوى الوعي الاجتماعي العربي في مجالات الحقوق والحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية؛ وفقًا لمضامين المعاهدات الدولية وقوانين حقوق الإنسان، والعمل على بناء قدرات أعضاء الرابطة وقياداتها وتنميتها، وتنمية مستوى التفكير الإبداعي بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة محليًا وإقليميًا ودوليًا، إلى جانب توعية الجمهور العربي بأهمية المشاركة الفاعلة في العملية التنموية؛ بما يسهم في تحويل الشباب العربي إلى مساندين لها، وصولاً إلى تنمية إنسانية عربية شاملة، وتقوم فكرة هذه الرابطة -التي شارك في إطلاقها نخبة من الناشطين العرب- على استثمار وسائل التواصل الاجتماعي، التي يأتي في مقدمتها (واتساب، تليجرام وفيس بوك) بشكل إيجابي ومنهجي وعلمي دقيق، من خلال إنشاء مجموعات للمحادثات المباشرة للشباب العربي، والعمل على إشراكهم في دورات تدريبية وندوات ومحاضرات توعوية مباشرة، تُستضاف خلالها عديد من الكفاءات العربية التي لها باع وتجارب طويلة في مجال التدريب والتأهيل، وذلك بما يسهم في تنمية مهاراتهم وقدراتهم الإبداعية في مختلف المجالات الحياتية.

ومن مبادرات العمل التطوعي والتنموي الشبابي؛ جاء “برنامج نامي لتنمية الشباب” ، كمبادرة شبابية تحت رعاية الرئاسة العامة لرعاية الشباب في المملكة العربية السعودية، ممثلة في الإدارة العامة للنشاطات الشبابية، وقد قام بتقديم هذه المبادرة 25 شابًا من طلاب الجامعات في منطقة الرياض، وتتضمن ملتقيات وفعاليات وأنشطة ترمي إلى تنمية الوعي المعرفي والمهاري والخبراتي للشباب المشاركين في البرنامج، وتتنوع برامج وفعاليات هذا البرنامج، شريطة الالتزام بالأهداف العامة والمعايير المنظِمة للمبادرة، وتقوم جهات خيرية وحكومية بدعم هذه الفعاليات والأنشطة؛ بهدف تعزيز مبادرات الشباب واحتضانها.


وختامًا … يمكننا تلخيص ما سبق فيما يلي:

– تتجلى أهمية توفير بيئة مُلهمة ومُحفزة تُدَعِم مبادرات الشباب، وتساهم في تمكينها؛ لما تحمله هذه البيئة من أهمية حيوية كركيزة أساسية لبناء الشخصية القيادية لدى الشباب.
– ينبغي الوقوف على دور الإعلام، وتوظيف وسائل التقنية في تشجيع القيادات الشابة وإبرازها، وتعزيز دور المسؤولية الاجتماعية تجاه رعاية المواهب القيادية وتنمية قدراتها؛ بما يؤسس لمرحلة جديدة، تترجم الاتجاه نحو فتح آفاق جديدة تناسب تطورات العصر وتحولات المجتمع.
– يتوقف مستقبل أي مؤسسة إعلامية على وجود قائد يستطيع المواءمة بين أهداف مؤسسته وأهداف المجتمع، ولكي تستطيع القيادة تحقيق أهدافها لابد أن تلازمها عملية تخطيط إداري.
– واقعنا العربي بحاجة ماسَّة إلى مؤسسات إعلامية عصرية، قادرة على التدريب الفعال للنخب والكفاءات الشبابية على القيادة بما يوائم متطلبات العصر، وبما يمهد الطريق لحدوث تحولات اجتماعية وثقافية تقود حتمًا إلى تحقيق التنمية المجتمعية؛ وتحقيقًا لذلك تسارعت وتيرة البرامج والمبادرات الرامية إلى تأهيل القيادات الإعلامية الشابة على الصعيد الخليجي، كما شهدت البلدان العربية مساعي ذات بنية راسخة تَدعمها جهات حكومية أو منظمات غير ربحية.
– تحقيقًا لمنهجيات القيادة الناجحة، يتطلب من كل مؤسسة إعلامية تحديد نماذج وبرامج للتنمية القيادية الشبابية بما يتماشى مع احتياجات كلٍّ منها؛ وأن تبدأ عملية التنمية القيادية بتقييم الوضع الحالي، والتعرف على الشريحة الشباب المراد تأهيلهم؛ حتى تتمكن المؤسسة من تحديد النموذج المناسب في بنائها القيادي، كما ينبغي إيجاد تبنٍّ حقيقي لهذه النماذج والبرامج التأهيلية في كل مراحلها، من قِبل القيادة العليا ذات الصلة بالاستراتيجيات التنظيمية للمؤسسة؛ حيث يتطلب الأمر إمداد بيئة العمل بالنظم والإجراءات الفعالة التي تضمن نجاح هذه النماذج والبرامج، بالإضافة إلى أهمية تدعيم هذه البرامج بمنهجية متكاملة، قائمة على التقييم المستمر والتغذية الراجعة، كما يجب الأخذ في الاعتبار أن عملية تأهيل وصناعة القيادات الشبابية لا تقتصر على المهارات فقط، إنما ينطوي الأمر على عدد من الأسس المتعلقة بالفكر القيادي، وتعزيز جوانب الشخصية القيادية، وتنمية السلوك القيادي.

 

 

المراجع

[1] عبد الرحمن عبد الله الدريهم، أحمد محمد الحسين، عبد الله موسى (2016)، “إعداد القيادات في القطاع الثالث”، المملكة العربية السعودية، مركز تنمية القادة.

[1] Lucy KÜNG (2006), “Leadership in the Media Industry … Changing Contexts, Emerging Challenges”, Centre Jönköping International Business, JIBS Research Reports, No. 2006-1, pp. 59-61.

[1] فهد وجدان جاسم (2014)، “القيادة الإعلامية”، الطبعة الأولى، هيئة شؤون الإعلام، البحرين.

[1] المرجع السابق، ص24.

[1] Richard Bolden, Jonathan Gosling, Priscilla Dennison (2003), “A Review of Leadership Theory and Competency Frameworks”, center for leadership studies. Doi: https://www.semanticscholar.org/paper/A-Review-of-Leadership-Theory-and-Competency-Bolden-Gosling/143902f05e291b787bea44ddefa7b0a64b0aee5f

[1] سالم بن سعيد القحطاني (2001)، “القيادة الإدارية: التحول نحو نموذج القيادي العالمي”، مجلة البحوث الأمنية، المملكة العربية السعودية، العدد (23).

[1] المرجع السابق.

[1] فريق قافلة (2018)، “القيادات الشابَّة تأهيلها وتطويرها”، مجلة القافلة، المملكة العربية السعودية، العدد (مارس-أبريل).

 

[1] دور الإعلام التنموي في تحقيق التنمية المستدامة: دراسة جانب التنمية السياسية (2018)، المركز الديمقراطي العربي، يرجى الاطلاع على الرابط التالي: https://democraticac.de/?p=53391

[1] عبد السلام شكركر (2009)، “الإعلام التوعوي: المفاهيم والمجالات”، مركز الكتاب الأكاديمي، عمان، ص91.

[1] Christine McCauley Ohannessian, Michelle Boyd, Steven Kirsh (2014), “Media and Youth Development: An Overview of Issues, Theory, and Research”, Journal of Youth Development, volume 9, No 1, pp. 3-4.

[1] Cherian George (2016), “Soft power: Media influence and its limits”, in Media Asia 43(2):1-7.

[1] Charles J. Palus, David Magellan Horth (2013), “Integrating Social Media in Youth Leadership Training”, Doi: https://ccl-explorer.org/integrating-social-media-in-youth-leadership-training/

 [1] Cristóbal Benavides (2012), “Innovation and Leadership in the Media Industry”, Servicio de Publicaciones de la Universidad de Navarra, issue 13, p. 63.

[1] لمزيد من المعلومات حول برنامج القيادات الإعلامية العربية الشابة، يرجى زيارة الرابط التالي: https://media.arabyouthcenter.org/

[1] لمزيد من المعلومات حول برنامج قيادي متكامل لتأهيل القيادات الشابة، يرجى زيارة الرابط التالي: http://ylp.salam4cc.org/YouthLeader/ProgramRecogniz

[1] لمزيد من المعلومات حول برنامج إعلامك، يرجى زيارة الرابط التالي: http://youth-experts.com/%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%83/#goals

[1] لمزيد من المعلومات حول مؤسسة مسك الخيرية، يرجى زيارة الرابط التالي: https://misk.org.sa/

[1] لمزيد من المعلومات حول برنامج جدارة، يرجى زيارة الرابط التالي: https://www.seera.sa/ar/about/responsibility/jadarah/

[1] لمزيد من المعلومات حول الرابطة العربية للإعلام التنموي والحقوق، يرجى زيارة الرابط التالي: http://aramd.org/about-us

[1] لمزيد من المعلومات حول برنامج نامي لتنمية الشباب، يرجى زيارة الرابط التالي: https://sst5.com/CustomersDet.aspx?cid=110

 

 

 

 

ما مدى فائدة هذه المقالة؟

انقر على نجمة للتقييم!

متوسط تقييم 4 / 5. عدد الأصوات: 1

لا توجد أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذه المقالة.

نأسف لأن هذه المقالة لم تكن مفيدة لك!

دعنا نحسن هذه المقالة!

أخبرنا كيف يمكننا تحسين هذه المقالة؟

شارك
الأكثر قـــــراءة
تدريب المهارات النفسية للرياضيين شباب بيديا

4.8 (13)       د. أحمد الحراملة  استاذ مشارك في علم النفس الرياضي رئيس […]

دور الجهات السعودية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (ما يتعلق... مقالات

5 (1)       مروان عبد الحميد الخريسات مستشار وخبير في التخطيط الاستراتيجي والتنمية […]

العمل الشبابي الرقمي.. تطلُّعٌ نحو التوسُّع والانتشار مقالات

5 (15)       محمد العطاس       مقدمة: أثّرت التقنيات الرقمية على […]

تأهيل العاملين مع الشباب (أخصّائي الأنشطة المدرسية) مقالات

5 (3)         إعداد:  د. محمود ممدوح محمد مرزوق تحرير: قسم المحتوى […]

مقاربات في العمل مع الشباب شباب بيديا

5 (1)             المحتوى: ما هي المقاربة؟ ما هي المقاربات […]