الدليل المختصر لإجراء بحث إجرائي تشاركي
4.9
(7)

“إنْ أردت الحصول على تقييم شامل، فإنك بحاجة إلى أكثر من وجهة نظر واحدة”

مقدمة

تزايد الاهتمام بالبحث الإجرائي التشاركي في الآونة الأخيرة؛ بحيث أصبح واحدًا من أهم مناهج البحث المستخدمة في إجراء البحوث الاجتماعية والمجتمعية، وصياغة التدخلات التي من شأنها الحثُّ على التغيير في المجتمعات وتطويرها وتحسينها للأفضل. يعتمد البحث الإجرائي التشاركي على نظريات التعليم الحديثة لـــ “فراير وبوردوا” وهي التي تسعى لإشراك المتعلمين في العملية التعليمية بدلًا من إلقاء المحاضرات عليهم بغرض الحفظ والتلقين. تكمن الفكرة الرئيسية من وراء ذلك في محاولة فهم العالم عن طريق إشراك مكوناته في عملية البحث عنه من أجل تغييره. ويعود ظهور البحث الإجرائي التشاركي إلى أعمال الطبيب النفسي الاجتماعي “كيرت لوين” الذي قام بتطويره والكتابة عنه في الكثير من المواضيع. ويعرف البحث الإجرائي في أبسط صوره على أنه: “عملية تقصٍّ منضبطة مِنْ ولأجل الأشخاص الذين يقومون بها، والسؤال الرئيسي الذي تهتم به كيف أُحَسّنُ أو أطور ما أقوم به في إطارها؟”.  أمّا البحث الإجرائي التشاركي فيعبر عن منهجية بحثية تقوم على مجموعة من المبادئ مفادها أنَّ الفريق البحثي يعد جزءًا لا يتجزأ من عناصر البحث، بحيث لا يقتصر دور الباحثين على إجراء البحث فقط، إذ يستطيعون الإدلاء بآرائهم، وعليه يكونون باحثين ومبحوثين في آنٍ واحد. كذلك يعتمد البحث الإجرائي التشاركي على التفاعل والتأمل من خلال محطّاته المختلفة، بدءًا بمرحلة تشكيل الفريق واختيار الموضوع، ومرورًا بمراحل تطور البحث، وانتهاء باكتمال العمل وتقديم المخرجات والتوصيات. غالبًا ما يرتبط مخرج البحث التشاركي بعمل أو مبادرة بغرض التأثير أو التغيير في المجتمع. إضافة لذلك، فإنَّ البحث التشاركي الإجرائي يسعى لإشراك الأطراف المعنية بالتقييم في كل أوجه ذلك التقييم، بما يشمل تعريف المشكلة وتطوير الأسئلة وجمع وتحليل المعلومات وتحضير التوصيات.  ويشار إلى هذا النوع من البحوث بعدة مسميات؛ مثل: الاستقصاء القائم على المشاركة، وبحث الأداء التعاوني، وبحث الأداء الناقد.

أهم سمات البحوث الإجرائية التشاركية

  • لا توجد طريقة محددة بعينها، حيث يخرج البحث التشاركي من رحم بيئته ويكون مراعيًا لها. ولهذا، فهناك العديد من المناهج الكمية والنوعية المستخدمة في هذا النوع من البحوث. ويتميز البحث التشاركي بالمرونة والقدرة الكبيرة على الاستجابة للبيئة المحيطة به.
  • قوة العلاقة بين أطراف العملية البحثية، حيث إنَّ الأسئلة المطروحة في سياق هذا النوع من البحوث لا تأتي من الباحثين فقط، وإنما تأتي من المبحوثين والأشخاص المنخرطين في قضايا المجتمع ومشاكل الحياة اليومية أيضًا.
  • توفير فرصة وحافز للتغيير، حيث إنَّ عملية التغيير تصب في صميم هذا المنهج. إنَّ اعتراف الباحثين أو المبحوثين بموجود مشكلة تحتاج إلى حل أو عمل ما يحتاج إلى تطوير هو من صميم عمل البحث التشاركي الذي يقوم بإشراك الجميع في عملية التساؤل حول المشكلات، والتي تصبح لاحقًا جزءًا من الحلّ وإيجاد سبل جديدة للتغيير.
  • السعي لتعزيز المشاركة الديمقراطية من خلال إشراك أصوات واتجاهات متعددة وتعزيز المساندة الذاتية والتمكين.
  • وأخيرًا: يوفر البحث التشاركي فرصة تعلم لكلٍ من الباحثين والممارسين؛ حيث يُبْنى على عملية مستمرة لربط البحث النظري بالتطبيق، بما يسمح لجميع الأطراف بالتعلم من خلال هذه العملية واكتساب مهارات جديدة.

 

مميزات البحوث الإجرائية التشاركية

  1. البحوث الإجرائية التشاركية هي عملية اجتماعية متجددة بالأساس تظهر فيها التفاعلات بين الأفراد المشاركين في البحث، سواء كانوا باحثين أو مبحوثين.
  2. تسمح البحوث الإجرائية التشاركية للأفراد بالقيام بدراسة أنفسهم خلال العملية البحثية وتمكنهم من اختبار كيفية تأثير فهمهم ومهاراتهم وقيمهم وعرضهم للمعرفة على أدائهم العام. وهذا بشكل أو بآخر يجعلهم قادرين على اتخاذ القرارات، وإيجاد الحلول وتحسين أنفسهم بأنفسهم.
  3. تساعد هذه البحوث الأفراد على تحرير أنفسهم من الضغوط الموجودة في الوسائل واللغة وإجراءات العمل، ومن العلاقات المختلفة في الجوانب التعليمية.
  4. تركز البحوث الإجرائية على التغيرات في الممارسة؛ فعندما يتأمل الباحثون في أدوارهم في العملية البحثية فإنهم سوف يجربون الأداء وينظرون إلى النتائج، ثم يكررونها، حتى الوصول إلى نتائج مُرضية لهم وللمبحوثين ولمجتمعاتهم بالضرورة.
  5. تستند هذه البحوث على العمل والفعل، حيث تتم البحوث التشاركية على رأس العمل، فلا حاجة لانفصال الباحث أو المبحوث عن العمل الذي يقوم به.   
  6. تهتم هذه البحوث بالتغذية الراجعة، وتعتمد على التفكير المستمر؛ ما يجعلها عملية حيوية ومتجددة وأكثر قدرة على الاستجابة السريعة للتغيرات التي تطرأ في المجتمعات.
  7. جميع الأطراف متساوون في الحقوق والواجبات في إطار هذا النوع من البحوث، فجميعهم شركاء في تحديد المشكلة (جمع البيانات، تحليل البيانات، تنفيذ الخطة، وعرض النتائج).
  8. الاهتمام بمصادر ونقاط القوة في مجتمع الدراسة أو الفئة المستهدفة والبناء عليه؛ إذ يعتبر هذا النوع من البحوث المبحوثين مصدرًا من مصادر المعرفة الأصيلة.

دورة البحث الإجرائي

كغيره من البحوث، يعتمد البحث الإجرائي التشاركي على الخطوات التالية:

  1. تحديد المشكلة
  2. جمع البيانات
  3. تفسير وتحليل البيانات
  4. وضع خطة العمل
  5. تقييم النتائج
  6. تحديد الخطوات اللاحقة (التغذية الراجعة)

مراحل البحث الإجرائي التشاركي

  1. تحديد المجتمع المستهدف / الشركاء/ وبناء القاعدة للعمل المشترك وبناء الثقة، وتعريفهم بالمبادئ الأساسية للعمل
  2. تفحص عناصر القوة في المجتمع المستهدف / طبيعة العلاقات/ المصادر المتوفرة/ المؤسسات والجمعيات والأفراد.
  3. تحديد الأولويات حسب المجتمع واهتماماته وصولًا لأسئلة الدراسة
  4. تحديد طرق جمع المعلومات / تصميم الدراسة (مستويات المشاركة المجتمعية)
  5. تحليل المعلومات
  6. تحديد التدخلات / خطة العمل وتنفيذها
  7. متابعة وتحليل التقدم
  8. عرض النتائج
  9. إعادة العملية

بشيء من التفصيل، يمكننا القول إن البحوث الإجرائية التشاركية تنطوي على مرحلتان: الأولى تتضمن إيجاد أصحاب المصلحة وتدريبهم ليكونوا مشاركين بشكل فعال. والثانية، التي يمكن أن تجري قبل أو خلال المرحلة الأولى، وتشمل التخطيط للبحث وتطبيقه وتقييمه.

المرحلة الأولى: إيجاد أصحاب المصلحة وتدريبهم ليكونوا باحثين مشاركين، وتتضمن:

  1. استقطاب باحثين ومتطوعين من المجتمع المحلي للمشاركة في البحث: هنالك عدة طريق للقيام بذلك. في بعض الأوضاع، يكون من الأفضل والمنطقيّ أكثر أن تضعوا إعلاناً عامّاً يطلب متطوعين. وفي أوضاع أخرى، يكون من الأفضل مخاطبة أناس معينين من الأرجح أنهم مستعدون بسبب التزامهم بالمشروع أو بالناس. الطريقة البديلة هي مخاطبة القادة المجتمعيين أو أصحاب المصلحة لكي يقترحوا مقيّمين ممكنين.

لكي نضمن الحصول على هؤلاء، ينبغي العمل على:

  • استخدام قنوات الاتصال والأساليب التي تصل إلى الناس الذين تستهدفونهم.
  • جعل الرسالة واضحة بقدر الإمكان واستخدام لغة بسيطة سهلة (و/أو أية لغة/عامية/لهجة يستخدمها السكّان)
  • التقرّب من المشاركين المحتملين فردياً عند الإمكان. إذا وجدتم أناساً يعرفونهم لاستقطابهم، فهذا حتّى أفضل.
  • شرح ما يكسبه الناس من المشاركة وتشجيع الناس، ولكن في صراحة وصدق حول الكم المطلوب منهم القيام به ومداه.
  • الاتفاق مع المشاركين حول ما يريدون وما يستطيعون القيام به ومحاولة ترتيب الدعم اللازم لجعل المشاركة أسهل.
  • الطلب من الناس الذين استقطبوا أن يرشحوا أخرين للقيام بنفس المهمة.
  • مناقشة أوجه الدعم المقدم للمشاركين لضمان التزامهم بالمشاركة في البحث.
  1.  تدريب المقيّمين المشاركين: قد يلزم المشاركين تدريب في مجالات متعددة، وفقاً لخلفياتهم. أمّا كيفية إجراء التدريب، فستتغير مع حاجات البحث والمشاركين وأوقاتهم. يمكن أن يجري التدريب في مرّات متقطّعة على مدى طويل نسبياً من الوقت (أسابيع أو أشهر) كما يمكن أن يجري في مرّة واحدة، كما يمكن أن يتم المزج بين الاحتمالين. من نفس المنطلق، هنالك عدّة طرائق تدريبية، كلٌّ منها وجميعها يمكن أن يكون مفيداً مع مجموعة معيّنة. فمثلاً، التدريب على مهارات الاجتماعات (معرفة متى وكيفية المساهمة، ومتابعة النقاش، الخ…) قد تُنجز بشكل أفضل عبر التعليم الفردي بدلاً من التدريس العام. أمّا مهارات إجراء المقابلات، فمن الأفضل تعلّمها من خلال لعب الأدوار وتقنيات اختبارية أخرى. كما يمكن أن يكون من الأفضل أن يأتي التدريب من المشاركين أنفسهم في بعض الحالات كمقاربة الناس المحليين، مثلاً.

المرحلة الثانية: التخطيط للبحث وتقييمه وتطبيقه

  1. تسمية المشكلة أو الغاية المطروحة وتأطيرها: تحديد ما يريد المعنيون تحقيقه من خلال جمع المعلومات عن هموم المجتمع المحلي وتحديد المقدّرات الموجودة، يمكن للمجتمعات المحلية أن تفهم المسائل التي يجب على البحث أن يركّز عليها.
  2. تطوير نظرية ممارسة لطرح المشكلة: كيف سيقوم الفريق البحثي بجهود مجتمعية لحل المشكلة المطروحة كبيرة؟ تجيب عدّة مجتمعات محلية ومنظمات عن هذا السؤال من خلال رمي برامج غير منسَّقة على المشكلة أو بافتراض أنّ مقاربةً ما (مثلاً، تعزيز القوانين، كالمثل المذكور سابقاً) ستهتم بالموضوع. في الواقع، يجب أن يكون لديكم خطة لخلق حل، ولتطبيقه، ولتقييمه، ولتعديله، وللحفاظ عليه، هذا إذا أردتم أن ينجح الحل.

بمجرد تحديد المسألة، مثلاً، يمكن لنظرية الممارسة أن تكون كما يلي:

  • تشكيل ائتلاف لمنظمات ووكالات وأعضاء من المجتمع المحلي معنيين بالمشكلة.
  • استقطاب فريق بحث تشاركي يشمل ممثلين من كافّة مجموعات أصحاب المصلحة وتدريب الفريق.
  • يجمّع الفريق المعلومات الأولية الإحصائية والنوعية عن المشكلة ويحدّد مقدّرات أو إمكانات المجتمع المحلي التي يمكن أن تساعد في طرحه.
  • 4استخدام المعلومات التي لديكم من أجل تصميم حل يأخذ في حسبانه تعقيد المشكلة والإطار.
  • تطبيق الحل
  • إجراء المراقبة والتقييم اللذَين يعطيانكم مردوداً مستمرّاً عن كيفية تلبية الأهداف، وما يجب أن تغيّروا من أجل تحسين الحل.
  • استخدام المعلومات من التقييم لتعديل الحل وتحسينه.
  • العودة إلى النقطة “ب” وتكرارها مراراً إلى أن يتم حل المشكلة، أو الاستمرار إلى ما لا نهاية للمحافظة على مكاسبكم وزيادتها (وهذا أكثر ترجيحاً بما أن العديد من المشاكل المجتمعية لا تختفي فعليّاً أبداً).
  1. الاتفاق على أسئلة التقييم الواجب طرحها، وعلى كيفية طرحها للحصول على المعلومات اللازمة. كما أشرنا سابقاً، فإنّ اختيار أسئلة التقييم يوجّه العمل بشكل رئيسي. فما يتم اختياره هنا هو ما سيتم العمل عليه لاحقا. إذ يمكن أن تتأتّى نتائج مهمّة عن البحث لم تكن طرحت من قبل، لأنه لم يتم البحث عنها بشكل كافي. لذا يصبح مهمّاً جدّاً اختيار الأسئلة اختياراً متأنياً، فهي التي تحدّد ماذا سنجد.
  2. جمع المعلومات: هذا هو الجزء الأكبر من تطبيق التقييم، على الأقل بالنسبة للوقت والجهود. يمكن لمجموعة متنوعة من الباحثين أن تقوم بأية خطوة من الخطوات التالي أو بجميعها، وفقاً للمعلومات اللازمة:
  • البحث في الإحصاءات السكانية أو في سجلات رسمية أخرى، أو في أرشيف جديد، أو في مجموعة في المكتبة، أو في الإنترنت، الخ…
  • مقابلات فردية و/أو جماعيّة
  • مجموعات مركّزة
  • جلسات تشارك معلومات مجتمعية
  • مسوح
  • مراقبة تشاركية أو مباشرة

في بعض الحالات، وبشكل خاص مع المجموعات غير المتعلّمة في البلدان النامية، على المقيّمين أن يجدوا وسائل خلاّقة لاستخراج المعلومات. في بعض الثقافات، يمكن أن تكشف الخرائط أو الرسوم أو التمثيل (“إذا كانت هذه الصخرة تمثل منزل شيخ القرية…”)، أو حتّى رواية القصص أكثرَ مما تكشفه الردود على الأسئلة المباشرة.

  1. تحليل المعلومات المجمّعة: بمجرد جمع كافة المعلومات اللازمة، تصبح الخطوة التالية إعطاءها معنى: ماذا تعني الأرقام؟ ماذا تقول لكم حكايات الناس وآرائهم عن المشروع؟ هل مشيتم بالعملية التي خطّطتم لها؟ في حال لا، هل أحدث ذلك فرقاً إيجابيّاً أو سلبياّ؟
  2. استخدام المعلومات من أجل الاحتفاء بما نجح ولتعديل المشروع وتحسينه: في حين أنّ المساءلة والمحاسبة مهمّتان فإن قوة الدفع الحقيقية للتقييم الجيّد تبقى قدرته التكوينية، أو التشكيلية. هذا يعني أن المقصود من التقييم تأمين معلومات يمكن أن تساعد على تكوين المشروع وإعادة تشكيله لتحسينه. نتيجةً لذلك، تكون الأسئلة الإجمالية لدى رؤية المسار والتطبيق والمخرَجات هي التالية: ما الذي نجح بشكل جيّد؟ ما الذي لم ينجح؟ أية تغييرات قد تحسّن المشروع؟

المهارات الواجب توافرها في الباحث القائم بالبحوث الإجرائية التشاركية

  1. مهارات بناء الثقة
  2. حل المشكلات والمنازعات
  3. مهارات البحث
  4. مهارات تيسير الاجتماعات
  5. مهارات التواصل
  6. معرفة وفهم المجتمع
  7. أخلاقيات العمل المجتمعي

فوائد البحث الإجرائي التشاركي على المشاركين من المجتمعات المستهدفة

هناك العديد من الفوائد التي تعود على المجتمعات المستهدفة من جراء مشاركتهم في هذا النوع من البحوث يفوق الفوائد التي تقدمها باقي الأنواع الأخرى التي تنظر للمجتمعات المستهدفة كمفعول به أو موضوع للدراسة دون النظر لما لدى المجتمعات المستهدفة من معارف وخبرات يمكن أن تؤثر في نتائج البحث ومخرجاته وتحديد أولوياته. يمكن للمبحوثين من خلال تنفيذ البحوث التشاركية القيام بالتالي:

  • تصميم وتفسير الدراسات الاستقصائية
  • إجراء المقابلات: إعداد وطرح أسئلة عميقة
  • فهم وتحليل التاريخ الشفهي
  • تجهيز وتنفيذ فكرة مجموعات التركيز
  • تحديد ما يملكه وما يحتاجه
  • رسم الاستنتاجات من المشاهدة
  • إدراك وعرض الانحياز الشخصي
  • تطوير الأهداف
  • تحديد المقاييس ومؤشرا ت التي تخضع لها عملية البحث
  • تحليل البيانات النوعية والكمية
  • تجهيز وتقديم النتائج علنيًّا
  • نشر النتائج من أجل التغيير الإيجابي

أهداف البحوث الإجرائية التشاركية

تهدف البحوث الإجرائية التشاركية تحقيق ما يلي:

فيما يتعلق بالعملية أو المسار، تهدف البحوث التشاركية إلى تحديد مسار المشروع والنشاطات اللوجستية اللازمة لتصميمه وإدارته. عندها تطرح أسئلة من قبيل هل قمنا بتقديرٍ صحيح قبل البدء، لمعرفة ما هي الحاجات الحقيقية؟ هل استخدمنا نتائج التقديرات لتحديد الحاجات وتلبيتها عند تصميم المشروع؟ هل صمّمنا المشروع وأدرناه ضمن الجداول الزمنية والبنى الأخرى التي أردناها؟ هل أَدخلْنا الناس الذين كنّا نرغب إدخالهم؟ هل كان لدينا أو هل حصلنا على الموارد المتوقّعة؟ هل كان الموظفون والآخرون مدرّبين ومُحضّرين للقيام بالعمل؟ هل جاءنا الدعم المجتمعي الذي توقّعناه؟ هل سجّلنا ما كنّا نقوم به بدقّة وفي الوقت المناسب؟ هل راقبنا وقيّمنا كما كنّا ننوي؟

فيما يتعلق بالتطبيق: تهدف البحوث التشاركية لتأكد من تشغيل المشروع فعليا. هنا تطرح أسئلة من قبيل هل قمنا بما كنا ننوي القيام به؟ هل خدمنا أو أثّرنا على أعداد الناس التي اقترحناها؟ هل استخدمنا الطرائق التي اعتمدنا استخدامها؟ هل كان مستوى نشاطنا كما أردناه (مثلاً، هل أمّنّا ساعات الخدمة التي نوينا تأمينها)؟ هل وصلنا إلى الجمهور / الجماهير التي استهدفناها؟ ماذا قّدمنا تحديداً أو ما هو الذي قمنا به بالتحديد؟ هل قمنا بتغييرات عن قصد أو عن غير قصد، ولماذا؟

فيما يتعلق بالمخرجات: تهدف البحوث التشاركية إلى تقييم مخرجات المشروع ونتائجه. عندها تطرح أسئلة من قبيل: ما حصل فعلياً كعاقبة لوجود المشروع. هل كان لعملنا الآثار التي توخّيناها؟ هل كان للمشروع آثار أخرى لم تكن متوقعة؟ هل كانت إيجابيّة أو سلبية (أو لا هذه ولا تلك)؟ هل نعرف لماذا حصلنا على هذه النتائج؟ ماذا يمكن أن نغيّر وكيف، من أجل جعل عملنا أكثر فعاليّة؟

فيما يتعلق بتقييم الأثر: النظر إلى تحقيق المشروع لنتائج بعيدة المدى من عدمه. هنا تطرح أسئلة من قبيل هل لهذا المشروع او البحث أثر ممتد أم لا؟

كيف يمكن تهيئة المناخ لإجراء بحوث إجرائية تشاركية؟

على الباحثين / المعنيين القائمين على إجراء البحوث التشاركية القيام بما يلي:

  1. التأكد من امتلاكهم مهارات إدارية فعالة لتحديد وإشراك جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى مساعدة المشاركين على التعلم. فإذا لم يكن الأمر كذلك، ينبغي التأكد من وجود مشرفين فعالين ومناسبين في الفريق.
  2. وضع أهدافٍ ومعالم واضحة مع المُقَيِّمين بشكل مسبق؛ حتى تكون الرؤية واضحة للجميع في سياق العملية البحثية.
  3. إدراك أهمية الإشارة المسبقة عند احتمال تغير الخطط، عند إظهار التقييم. والسؤال حول التغيرات والاستعداد للمساعدة في تعديل معالم الخطة وإعادة تحديد نتائجها.
  4. توخي الحذر بعدم تجاوز الحدود الملائمة، والاستعداد لتكوين شراكات مع المبحوثين لحل المشكلات، ومساعدة الأفراد والمنظمات والفريق على إيجاد الحلول وبناء القدرات لدى مواجهة المشاكل التي لا يمكن تجنبها.
  5. الالتزام بالعمل على تحقيق مصالح المجموعة دون النظر للمصالح الفردية.

تساؤلات حول البحث الإجرائي التشاركي

يثير البحث الإجرائي التشاركي العديد من التساؤلات حول تكلفته العالية فيما يتعلق بالمال والجهد المبذول، كما يثير تساؤلات حول صحة النتائج المحتملة لهذا النوع من البحوث. وفيما يتعلق بالمال والجهد المبذول، فيشير الممارسين إلى أنَّ الأمر يتطلب وقتًا لجعل الناس يتحدثون ويتحركون؛ ولهذا على الممارسين والباحثين التحلي بالصبر عند التعامل مع الباحثين، وإتاحة الوقت الكافي لهم وللمبحوثين ليتعرف كلٌّ منهم على عالم الآخر. يوضح الممارسون أنه على الباحث/ الجهة المعنية أنْ يكون/تكون مستعدًا/ة للاستثمار في الوقت والجهد؛ من أجل التزام طويل الأمد، وذلك لأن المردود يفوق التكاليف. أما فيما يرتبط بالنتائج المحتملة للبحث، فيشير الممارسون أيضًا إلى نجاعة هذا النوع من البحوث في الخروج بنتائج أفضل عند التعامل مع القضايا المجتمعية لأنه نابع من المبحوثين أنفسهم، حيث يمكن من خلاله تحديد العوائق التي تقف في وجه التغيير الفعال ومعالجتها، وإعداد طريقة لفهم أسرع للسياسة والممارسة الجديدة. من هذا المنطلق، يتسم التغيير المرجو بالاستدامة وطول الأمد[1]. وفي الأخير، يجب التأكد من أن الجميع منخرطون، وليس فقط قادة المجتمع.

متى يتم استخدام البحوث التشاركية؟

  1. عندما يكون المعنيين ملتزمين بمسار تشاركي للمشروع. يمكن أن يكون التخطيط للتقييم ضمن خطة المشروع العامّة ومصمّماً بشكل تعاوني، كجزء من الخطّة.
  2. عندما يكون الوقت متوفّراً لديكم، أو عندما تكون النتائج أهم من الوقت.
  3. عندما تستطيعون إقناع الممولين أنّها فكرة جيّدة.
  4. عندما يمكن أن كون هنالك مسائل في المجتمع المحلي أو لدى الناس، من الصعب على المقيّمين الخارجييّن (أو الذين يقدمون البرامج كذلك ربطاً) أن يعرفوا عنها.
  5. عندما تحتاجون إلى معلومات يصعب على أيّ كان من خارج المجتمع المحلي أو من غير السكّان الحصول عليها.
  6. عندما يكون جزءٌ من غاية المشروع هو تمكين المشاركين ومساعدتهم على تطوير مهارات يمكن نقلها.
  7. عندما تريدون أن تجمعوا سوية المجتمع المحلي أو السكّان. بالإضافة إلى تعزيز الروح التعاونية.

البحوث الإجرائية التشاركية الموجهة للشباب

ظهر هذا المصطلح حديثًا ليعبر عن الاتجاهات الجديدة لاستخدام البحوث الإجرائية التشاركية في القضايا والموضوعات التي تهم الشباب. يعبر هذا المصطلح عن مقاربة مبتكرة لإشراك اليافعين والشباب في تصميم وتنفيذ البحوث التشاركية والسماح لهم باستكشاف القضايا التي تؤثر على المجتمع الأوسع من وجهة نظرهم. وتتكون هذه المقاربة من شقين: فمن ناحية، تتيح للشباب التعمق في الأسباب الجذرية للمشكلات التي تهمهم، وفي الوقت ذاته، تسمح لهم بأنْ يكونوا جزءًا من الحلّ، من خلال تمكينهم من معالجة قضايا محددة. وهكذا، يفكر الشباب في تحديد القضايا من خلال البيانات التي يجمعونها، ويفكرون في النتائج التي توصلوا إليها من خلال تحليل البيانات، وتصميم خطة لإحداث تغيير إيجابي في مجتمعاتهم. وانطلاقًا من هذا، نستطيع القول بأنَّ البحوث التشاركية الموجهة للشباب تستند على تحولٍ نوعي في النظرة النمطية والتقليدية للشباب كموضوع للبحث والدراسة، وكمختبر تُجرى عليه التجارب، أو كأشخاص سلبيين غير ناضجين يفتقرون للانضباط. يركز هذا التحول على الصورة الإيجابية للشباب باعتبارهم مشاركين، ومسؤولين ومنغمسين في قضايا مجتمعاتهم.

نماذج ناجحة للبحوث الإجرائية التشاركية الموجهة للشباب

  • تجربة من الولايات المتحدة الامريكية

استخدم البحث الإجرائي التشاركي الموجه للشباب لتمكين الشباب ليكونوا عناصر فاعلة في التغيير المدني في إحدى المدن الأمريكية، وذلك على خلفية حدوث عدد من الحوادث العنصرية هناك، مثل: الهتافات أثناء الفعاليات المدرسية، والمشاجرات خارج الحرم والشعارات المرسومة على الجدران. قامت قائدة محلية بارزة بالتصدي للمشكلة من خلال إشراك طلبة المدرسة الثانوية في حلها، حيث قامت بالاشتراك مع الإدارات المدرسية ب اختيار30 طالبًا مختلفين في الجنس والعمر والعرق والدين للعمل معها على هذا الأمر. كما دعت إحدى المنظمات التي تقوم بتعليم الشباب البحث التشاركي للمشاركة في هذا الملف عن طريق تدريب هؤلاء الطلبة على أدوات ومناهج البحث التشاركي. يوضح الطلبة أنه خلال الأشهر الأولى من العمل، قاموا بإجراء حوارات مطولة ودراسات استطلاعية ضمن مجموعات العمل المركزة للخروج بحل لهذه المشكلة. تعلم الطلاب خلال تلك الفترة وبمساعدة الكبار الحديث والاستماع لبعضهم البعض في المسائل المختلفة وعلى رأسها العرقيات. كما تعلموا كيفية القيام ببحث حول أوضاع العرقيات داخل المدرسة. وصف مدير أحد البرامج والتي ساهمت مؤسسته في دعم جهود البحث التشاركي بأنه: “إحدى الأدوات الأكثر تأثيرًا في مساعدة الشباب ليصبحوا عناصر فاعلة في عملية التغيير الإيجابي“، حيث اكتسب الشباب “مجموعة من المهارات اللازمة للحصول على معلومات موضوعية، وكيفية التعاون مع الآخرين، وكيفية التأثير على عقول المعلمين وغيرهم من البالغين. كان الهدف من وراء ذلك هو استخدام هذه المعلومات لتوسيع نطاق الحوار داخل المدرسة وخارجها. بالفعل، قام الطلاب بذلك من خلال تقديم عروض تقديمية للعديد من الجهات، من بينها الهيئة التدريسية والإداريين وجميع الطلبة، والمجلس المدرسي، ومجلس المدينة، وهيئة العلاقات الإنسانية والكليات والجامعات، وجلسات استماع بمجلس الشيوخ. كما قاموا بذلك على مستوى عالمي أيضًا، حيث قاموا بتنفيذ عرض تقديمي في مؤتمر في الصين. وأخيرًا، قاموا بتصوير فيديو توضيحي وعرضه بشكل موسع، بالإضافة إلى نشر تقرير في إحدى الدوريات العلمية. أعقب هذا البحث العديد من التحولات الاجتماعية الهامة في حياة المجتمع المستهدف، مثل إقرار تدريس مادة عن العلاقات العرقية في التاريخ الأمريكي في المناهج الدراسية في المدارس المعنية.  

  • تجربة من الأردن

ركزت التجربة الأردنية على دراسة بحثية حول استقصاء الحاجة لوظيفة الإرشاد المدرسي ودورها المحتمل في تحسين التجارب المدرسية للأطفال الأردنيين والسوريين في منطقة شرق عمان، الأردن. اعتمدت الدراسة على منهجية البحث الإجرائي التشاركي الموجه للشباب من خلال إشراك 20 من الشباب الأردني والسوري (23-27 عامًا) للبحث في قضايا التعليم والتعلم خلال العام 2016-2018. وفقًا لخبراتهم المدرسية، وقع اختيار الشباب على قضية دور المرشد المدرسي في عملية تطور الطفل والشاب؛ حيث قاموا بتصميم دراسة حول الإرشاد المدرسي إيمانًا منهم بدوره البالغ في حياة الأطفال والشباب الأردنيين، وكذا اللاجئين السوريين. في هذا السياق، عقد الشباب جلسات نقاشية مركزة ومقابلات فردية مع (١٤٧) طالبًا وولي أمر اعتمادًا على النهج التشاركي؛ حيث توصلوا لعدد من النتائج، منها: افتقاد المرشد المدرسي في تجارب العينة المبحوثة من الأطفال، وفيما يتعلق بالإرشاد المهني وتعزيز الطموحات، فكان تأثيرًا كبيرًا للتطلعات المهنية الخاصة بأولياء الأمور على اختيارات الطلبة أنفسهم، مع وجود دور محدود للمدرسة. قام الباحثون أيضًا بالسؤال عن رأي الأطفال في الدور المنشود للمرشد المدرسي. فأوضح هؤلاء أنَّ هذا الدور يتضمن تحسين البيئة المدرسية، والمحافظة على النظام، ونشر الوعي والتوجيه، ومساعدة الأطفال في حل مشكلاتهم، وتوجيه الطلبة بما في ذلك أولئك الذين يواجهون مخاطر التسرب المدرسي أو التعرض للعنف في المدارس. كما أظهرت مخرجات البحث أنَّ التجارب المدرسية الإيجابية لدى الطلبة وجاهزيتهم للتعلم اعتمدت إلى-حد كبير-على نوعية التفاعل بين المعلم والطالب، والأساليب التدريسية التفاعلية، والمواقف الإيجابية والمشجعة من قبل المعلمين. أظهرت إجابات الطلبة إلى لعب المعلمين دورًا حيويًّا في مساعدتهم في تحديد هوايتهم، وإدراك ذاتهم، وطموحاتهم. رغم ذلك، كانت هذه الجهود عبارة عن مبادرات فردية وغير منظمة؛ حيث كان الغياب الواضح للدعم المنهجي المقدم عبر الأنشطة المنهجية أو اللامنهجية. اقترحت الدراسة التشاركية عدداً من التوصيات منها: تعريف معايير اختيار المرشدين المدرسيين، إضافةً إلى دراسة وظيفة الإرشاد النفسي باعتبارها استثماراً طويل المدى، وتعزيز دور لجان أولياء الأمور من خلال إجراء مسح لتخصصات وقدرات أعضاء هذه اللجان، بالإضافة إلى تحديد والتعاون مع الموارد والبرامج والخدمات الموجهة للشباب والمتوفرة داخل المجتمع المدرسي، بما قد يدعم من دور المرشدين المَدْرَسيين. ومن خلال مخرجات البحث التي تم التوصل إليها عمل البرنامج على تنفيذ جهود الدعوة والمناصرة للتعاون مع الجهات ذات العلاقة بالموضوع؛ من أجل التحرك أو المبادرة أو القيام بفعل يكون من شأنه تحسين الواقع أو تغييره ما أمكن.


المراجع

مؤسسة انقاذ الطفل، أراء وتوجهات نظر الأطفال في الارشاد التربوي في المدرسة، 2017، الأردن.

كريج ماكجرفي، البحث التشاركي: مشاركة جميع الأطراف في عملية التقييم التغيير، الموسوعة العربية للعطاء الاجتماعي، 2010.

https://ctb.ku.edu/ar/content/overview/model-for-community-change-and-improvement/participatory-evaluation/main

https://arbyy.com/detail1320535123.html

https://www.unicef.org/iraq/ar/%D8%AA%D9%85%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D9%83%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%84%D8%AD%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9/%D9%82%D8%B5%D8%B5

https://www.new-educ.com/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D9%8A%D8%A9

[1] كريج ماكجرفي، البحث التشاركي: مشاركة جميع الأطراف في عملية التقييم التغيير، الموسوعة العربية للعطاء الاجتماعي، 2010.

ما مدى فائدة هذه المقالة؟

انقر على نجمة للتقييم!

متوسط تقييم 4.9 / 5. عدد الأصوات: 7

لا توجد أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذه المقالة.

نأسف لأن هذه المقالة لم تكن مفيدة لك!

دعنا نحسن هذه المقالة!

أخبرنا كيف يمكننا تحسين هذه المقالة؟

شارك
الأكثر قـــــراءة
تدريب المهارات النفسية للرياضيين شباب بيديا

4.8 (13)       د. أحمد الحراملة  استاذ مشارك في علم النفس الرياضي رئيس […]

دور الجهات السعودية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (ما يتعلق... مقالات

5 (1)       مروان عبد الحميد الخريسات مستشار وخبير في التخطيط الاستراتيجي والتنمية […]

العمل الشبابي الرقمي.. تطلُّعٌ نحو التوسُّع والانتشار مقالات

5 (15)       محمد العطاس       مقدمة: أثّرت التقنيات الرقمية على […]

تأهيل العاملين مع الشباب (أخصّائي الأنشطة المدرسية) مقالات

5 (3)         إعداد:  د. محمود ممدوح محمد مرزوق تحرير: قسم المحتوى […]

مقاربات في العمل مع الشباب شباب بيديا

5 (1)             المحتوى: ما هي المقاربة؟ ما هي المقاربات […]